لبنان
17 تشرين الثاني 2025, 06:55

ميناسيان: قداسة مالويان نداء لكلّ واحد منّا أن نعيش إيمانًا يحبّ ويصمد حتّى النّهاية

تيلي لوميار/ نورسات
ترأّس بطريرك بيت كيليكيا للأرمن الكاثوليك الكاثوليكوس روفائيل بيدروس الحادي والعشرون ميناسيان قدّاس الشّكر بمناسبة إعلان قداسة المطران إغناطيوس مالويان، وذلك في بازيليك سيّدة لبنان- حريصا، بمشاركة كلّ من البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشاره بطرس الرّاعي، بطريرك الرّوم الملكيّين الكاثوليك يوسف العبسيّ، وبطريرك السّريان الكاثوليك مار إغناطيوس يوسف الثّالث يونان، وبمشاركة السّفير البابويّ المونسنيور باولو بورجيا ولفيف من الأساقفة والرّؤساء العامّين والعامّات والكهنة والشّمامسة.

حضر القدّاس الإلهيّ: وزيرة الشّباب والرّياضة نورا بايراقداريان ممثّلة كلّ من رئيس الجمهوريّة العماد جوزاف عون، رئيس مجلس النّوّاب نبيه برّي ورئيس مجلس الوزراء نوّاف سلام، بالإضافة إلى عدد من الوزراء والنّوّاب والفاعليّات الرّوحيّة والرّسميّة والعسكريّة والاجتماعيّة وحشود من المؤمنين.

وبعد تلاوة الإنجيل المقدّس، ألقى البطريرك ميناسيان عظة جاء فيها:

"نجتمع اليوم في هذه الكنيسة بازيليك سيّدة لبنان، لا لمجرّد مكانٍ جغرافيّ، بل لقلب نابض بالإيمان والوحدة، لقلب يحتضن أبناء الكنيسة جميعًا كعائلةٍ واحدةٍ، لبنانيّةٍ ورسوليّةٍ. على هذا الجبل المبارك، حيث يلتقي الإيمان بالوطن، والسّماء بالأرز. نجتمع اليوم معًا لنرفع صلاة الشّكر لله الأب الّذي منحنا نعمة تقديس المطران الشّهيد إغناطيوس مالويان، الّذي أعلنه قدّيسًا قداسة البابا لاون الرّابع عشر في روما.

لقد قرّرنا أن يكون هذا القدّاس الاحتفاليّ ليس للكنيسة الأرمنيّة الكاثوليكيّة وحدها، بل لجميع الكنائس الكاثوليكيّة في لبنان، عربون وحدةٍ وشهادةٍ مشتركةٍ في المسيح المخلّص، على أرضٍ قدّسها الرّبّ بدماء الشّهداء وبصلوات القدّيسين والمؤمنين عبر الأجيال.

نحن اليوم لا لمجرّد تذكار رجلٍ من الماضي، بل لنتقدّم بالشّكر لله الّذي كتب صفحةً خالدة من الإنجيل من خلال شهادة أحد خدّامه الأمناء.

فلذلك لا أعتبر هذه الجمعة المهيبة مجرّد احتفال ينتهي بعد قليل، بل جواب الكنيسة الجامعة الرّسوليّة لصرخة نفسٍ أحبّت المسيح حتّى الاستشهاد.

هذا ما يشجّعنا على قبول الحقيقة الّتي توحينا بالقداسة الّتي ممكن أن نعيشها في أيّامنا هذه وأنّ الأمانة الإلهيّة لا تزال تملك وجهًا وسيمًا، والصّلب والصّليب ليس هزيمة بل انتصار.

نجتمع اليوم حول هذا المذبح المقدّس لنصلّي سويّة بإيمان حيّ: لأنّ الله قد تجلّى في شخص القدّيس إغناطيوس مالويان، الأسقف الشّهيد، وهو يدعونا اليوم إلى إيمانٍ لا يعرف الخوف، ولا يتعب من الرّجاء، ولا يخجل من المحبّة. يدعونا للسّير على خطاه لأنّ دماء الشّهداء ليست صامتة، بل هي صوتٌ يرنّ عبر الأجيال.

وهذا الصّوت اليوم يبلغنا، يسائلنا، ويدعونا إلى اتّباعه بالتّعبّد الصّادق لمخلّصنا يسوع المسيح. يدعونا للارتباط العميق بمعالم إنجيله المقدّس، أين الوصيّة العميقة في إنجيل يوحنّا قائلًا: "ليس لأحدٍ حبٌّ أعظم من أن يبذل الإنسان نفسه عن أحبّائه" (يو 15:13). هذه الكلمات ليست فقط إعلانًا للمحبّة، بل نبوءةٌ عن تضحية قد حدثت في حياة الابن، ابن الله الّذي بذل حياته من أجل خلاص العالم، وموته لم يكن نهاية، بل بداية القيامة والحياة الأبديّة.

ففي هذا الصّورة، نجد الحبّ اليقين الّذي لا يقوى عليه الموت، بل الرّجاء بالخلاص والحياة الأبديّة.

وعلى هذا اليقين عاش القدّيس إغناطيوس مالويان. عاش في زمن الاضطهاد والرّعب، لكنّه بقي ثابتًا في إيمانه رغم العروضات الجمّة لينكر إيمانه ويحيا، فأجاب بشجاعة وثبات: "نحن نموت، ولكنّنا نموت من أجل المسيح".

كلماتٌ قليلة، لكنّها تُلخّص جوهر الإيمان المسيحيّ. فالشّهادة ليست موتًا، بل انتصارُ الحياة على الخوف، وانفتاحُ الباب أمام نور القيامة، حيث "لا موتٌ ولا حزنٌ ولا وجع، ولا أنين لأنّ الأمور الأولى قد مضت" (رؤ 21:4).

القدّيس إغناطيوس مالويان عاش كلمات الإنجيل، حمل الصّليب حتّى الرّمق الأخير، ورعى شعبه في الألم، وبذل حياته ليقوّي إيمانهم ويخلّصهم. لقد اختلط دمه المسفوك، بدم معلّمه وصار بذرةً لحياةٍ جديدةٍ، وشهادةً لكنيسةٍ لا تموت، لأنّها تحيا بالمسيح.

وفي زمننا هذا، حيث يُهان الإيمان وينهار ويُهمَّش، أين أبناء الخلاص يتردّدون في إيمانهم ويبتعدون، أين وصيّة الله ووعوده بالخلاص.

تخان في هذا الوقت بالذّات نحن بحاجة إلى شهداء أحياء مثل القدّيس مالويان، إلى مؤمنين يختارون الصّدق على المساومة، والرّجاء على اليأس، والرّحمة على الانتقام.

فقداسته ليست مجرّد اعتراف من الكنيسة، بل نداءٌ موجَّه إلى كلّ واحدٍ منّا: أن نعيش إيمانًا صادقًا، شجاعًا، يتكلّم، ويحبّ، ويصمد حتّى النّهاية.

إغناطيوس مالويان، ككثيرين من شهداء التّاريخ الأرمنيّ، انتصر من دون أن يحمل سلاحًا، انتصر لأنّه شهد لحبٍّ أقوى من الكراهيّة، ولرجاءٍ أعظم من الخوف، ولأنّ الإنسان الّذي يبذل حياته من أجل الحقيقة، لا يُهزَم أبدًا.

وفي خضمّ هذه الذّكرى، لا يسعنا إلّا أن نلتفت إلى لبناننا الحبيب، هذا الوطن الّذي عَبَر الحروب والانقسامات، لكنّه ما زال ينهض، لأنّ في قلبه إيمانًا لا يُطفأ. فحبّذا نرى اليوم مواقف حقيقيّة، مواقف مبنيّة على المحبّة والصّدق، لا على المصالح. لقد تعب اللّبنانيّون من لغة الانقسام، فهم يتطلّعون إلى مفاهيم للكرامة الوطنيّة الّتي لا تُصان بالشّعارات، بل بالأمانة، والتّجرّد، وبالتّضحية الشّاملة.

هلمّوا إذًا جميعًا لنأخذ هذه القيم السّامية ونتبنّاها لحياتنا اليوميّة. لنكن جاهزين لصوت الرّبّ، جاهزين للشّهادة ليس بالدّمّ فقط ولكن في تحمّل الصّعوبات والمشقّات الحياتيّة لنمجّد اسمه على الأرض وفي كلّ زمان.

وأختم كلمتي بكلمات القدّيس الّذي في آخر لحظة من حياته قائلًا "نحن نموت، ولكنّنا نموت من أجل المسيح"، هكذا نحن أيضًا مدعوّون أن نحيا ونردّد هذه الكلمات من أجل خلاصنا وخلاص لبنان."