كندا
29 تموز 2022, 09:30

هذا ما دعا إليه البابا فرنسيس الإكليروس في كندا!

تيلي لوميار/ نورسات
أمام ضريح القدّيس فرنسيس دو لافال في كاتدرائيّة سيّدة كيبيك، رفع البابا فرنسيس عصر الخميس الصّلاة مع الأساقفة والكهنة والرّهبان والرّاهبات والمكرّسين.

وإليهم توجّه بكلمة دعاهم فيها إلى التّحلّي "بنظرة شبيهة بنظرة الله، تميِّز الخير، وتصِرُّ على طلبه ورؤيته وتغذيته. ليست نظرة ساذجة، بل هي نظرة تميِّز الواقع"، وقال بحسب "فاتيكان نيوز": "إنّ لقاءنا هنا، له معنى ومغزى، فهنا أوّل أسقف، القدّيس فرنسيس دو لافال، افتتح المدرسة الإكليريكيّة في عام 1663، واهتّم طيلة خدمته الأسقفيّة بتنشئة الكهنة. بينما نجتمع هنا كشعب الله، لنتذكّر أنّ يسوع هو راعي حياتنا، الّذي يعتني بنا لأنّه يحبّنا حقًّا. نحن، رعاة الكنيسة، مدعوّون إلى هذا الجود نفسه في رعاية القطيع، حتّى تظهر عناية يسوع للجميع ورأفته بجراح كلّ واحد منّا. يحثُّنا الرّسول بطرس: ارعَوْا القطيع، أرشدوه، لا تدَعُوه يضيع بينما تقومون بأشغالكم. إعتنوا به بتفانٍ وحنان. ويضيف: إفعلوا ذلك "طوعًا"، لا كُرهًا: لا كواجب، لا كمؤمنين يتقاضون راتبًا، أو كموظّفين للمقدّسات، ولكن بقلب رعاة، بحماس.

أيّها الإخوة والأخوات، هذا هو فرحنا: ليس فرحًا سهلًا، مثل الّذي يقدّمه لنا العالم أحيانًا فيخدعنا بمثل ألعاب ناريّة اصطناعيّة. الفرح المسيحيّ ينغرس في خبرة سلام يبقى في القلب حتّى عندما نتعرّض للشّدائد والضّيقات، لأنّنا نعلَم أنّنا لسنا وحدنا، بل يرافقنا الله، وهو مهتمّ بمصيرنا، كما عندما يكون البحر هائجًا، تكون العاصفة على السّطح، وفي الأعماق هدوء وسلام. ويمكننا أن نسأل أنفسنا: ما هو حال فرحنا؟ وهل تعبّر كنيستنا عن فرح الإنجيل؟ وهل في جماعاتنا إيمان يجتذب بالفرح الّذي يمنحه؟

إن أردنا أن نواجه هذه الأسئلة في جذورها، لا يسعنا إلّا أن نفكّر فيما يهدِّد، في واقع عصرنا، فرح الإيمان، بل يمكن أن يحجبه، ويعرِّض التّجربة المسيحيّة لمحنة كبيرة. أفكِّر فورًا في العلمنة، الّتي غيّرت منذ زمن طويل أسلوب الحياة لنساء ورجال اليوم، وتركت الله في خلفيّة الحياة، بل يبدو أنّه اختفى من الأفق، ولم تعد كلمته هي البوصلة الّتي توجّه الحياة، في الاختيارات الأساسيّة، والعلاقات الإنسانيّة والاجتماعيّة. الله يكره روح العالم، لكنّه ينظر إلى العالم برفق. إنّه يبارك حياتنا، ويرانا ويرى واقعنا أمرًا حسَنًا، ويتجسّد في مواقف التّاريخ لا للحكم عليها، بل ليغرس ويُنمِيَ بذرة الملكوت حيث يبدو أنّ الظّلام ينتصر. نحن مدعوّون إلى أن ننظر بنظرة شبيهة بنظرة الله، تميِّز الخير، وتصِرُّ على طلبه ورؤيته وتغذيته. ليست نظرة ساذجة، بل هي نظرة تميِّز الواقع.

يجب ألّا تكون مشكلة العلمنة، بالنّسبة لنا نحن المسيحيّين، هي النّقص في أهمّيّة الكنيسة الاجتماعيّة، أو فقدان ثروات مادّيّة وامتيازات. بل تحمِلُنا بالأحرى على التّفكير في تغييرات المجتمع الّتي أثّرت على طريقة تفكير النّاس وتنظيم حياتهم. إذا ركّزنا على هذا الجانب، فإنّنا ندرك أنّه ليس الإيمان في أزمة، لكن بعض الأشكال والطّرق الّتي نبشّر بها بالإيمان. وبالتّالي، فإنّ العلمنة هي تحدٍّ لخيالنا الرّعويّ، وهكذا فإنّ هذه النّظرة تبيِّن لنا الصّعوبات الّتي نواجّهها في نقل فرح الإيمان، وتحفّزنا في الوقت نفسه على إعادة اكتشاف شغف جديد بالبشارة، والبحث عن لغات جديدة، وتغيير بعض الأولويّات الرّعويّة، والذّهاب إلى الأساسيّات.

من هنا الحاجة للبشارة بالإنجيل لكي نمنح فرح الإيمان لرجال ونساء اليوم. لكن هذه البشارة لا تتّم فقط بالكلام، بل بشهادة تفيض بالحبّ المجّانيّ، كما يعمل الله معنا. إنّها بشارة تطلب أن نتجسّد في نمط حياة شخصيّ وكنسيّ يمكن أن يُضرِم من جديد الرّغبة في الرّبّ، ويغرس الأمل، وينقل الثّقة والمصداقيّة.  

في صحاري زماننا الرّوحيّة، النّاتجة عن العلمانيّة واللّامبالاة، من الضّروريّ الرّجوع إلى البشارة الأولى. لا يمكن أن ندَّعي نقلَ فرح الإيمان بتقديم جوانب ثانويّة إلى الّذين لم يعانقوا الرّبّ يسوع بعد في حياتهم، أو فقط بتكرار بعض الممارسات أو بتكرار طرق رعويّة من الماضي.

تكون البشارة بالإنجيل فاعلة، عندما تكون الحياة هي الّتي تتكلّم، والّتي تكشف عن الحرّيّة الّتي تحرّر الآخرين، وهي الشّفقة الّتي لا تطلب شيئًا في المقابل، والرّحمة الّتي تتكلّم عن المسيح بدون كلمات. الكنيسة في كندا بدأت مسارًا جديدًا، بعد أن جُرِحَت وذُهِلَت بسبب الشّرّ الّذي ارتكبه بعض من أبنائها. أفكِّر بصورة خاصّة في الاعتداءات الجنسيّة على القاصرين والأشخاص المستضعفين، وفي الشّكوك الّتي تقتضي إجراءات شديدة ومعركة لا رجعة فيها. أودّ معكم أن أطلب الصّفح من جميع الضّحايا. يجب أن يصبح الألم والخجل الّذي نشعر به مناسبة للتّوبة: يجب ألّا يتكرّر ذلك! وبالنّظر إلى مسار الشّفاء والمصالحة مع الإخوة والأخوات من السّكّان الأصليّين، يجب ألّا تسمح الجماعة المسيحيّة بعد اليوم أن تتلوَّثَ بفكرة تفوُّق ثقافة على ثقافة أخرى، وأنّه يجوز استخدام وسائل الإكراه مع الغير.

إنّ الكنيسة تكون شاهدًا صادقًا للإنجيل، كلّما ازداد أعضاؤها في حياة الشّركة، فتخلق مناسبات ومساحات لكلّ من يقترب من الإيمان ليجد جماعة مضيافة تعرف أن تستمع وأن تدخل في حوار، وبهذا تتحسّن نوعيّة العلاقات بين النّاس. إنّها مسألة عيش جماعة مسيحيّة، تصير مدرسة إنسانيّة، حيث يتعلّم المؤمنون أن يحبّوا بعضهم بعضًا كإخوة وأخوات، وهم على استعداد للعمل معًا من أجل الخير العامّ. في قلب البشارة الإنجيليّة، في الواقع، توجد محبّة الله، الّتي تبدِّل وتجعل المؤمن قادرًا على الشّركة مع الجميع، وعلى خدمة الجميع. الكنيسة مدعوّة إلى تجسيد هذا الحبّ بلا حدود، لبناء حُلم الله للبشريّة: أن يكونوا جميعًا إخوة.

هذه فقط بعض التّحدّيات القليلة. ولا ننسَ أنّنا لا نستطيع أن نواجهها إلّا بقوّة الرّوح، الّذي يجب أن نبتهل إليه دائمًا في الصّلاة. ولا نسمح لروح العلمانيّة بالدّخول فينا، معتقدين أنّه يمكننا إنشاء مشاريع تعمل وحدها، وبالقوّة البشريّة فقط، بدون الله."