أوروبا
03 حزيران 2019, 08:44

يوحنّا العاشر لبطريرك الصّرب: صلّوا من أجل سلام سوريا واستقرار لبنان وخير كلّ هذا الشّرق

أقام البطريرك الأنطاكيّ للرّوم الأرثوذكس يوحنّا العاشر إفطارًا، على شرف بطريرك صربيا إيريناوس، لمناسبة زيارته الرّسوليّة السّلاميّة إلى كنيسة أنطاكية في دمشق، بحضور بطريرك السّريان الأرثوذكس مار إغناطيوس أفرام الثّاني، وبمشاركة شخصيّات رسميّة وروحيّة واجتماعيّة إسلاميّة ومسيحيّة.

 

في هذا الإطار، ألقى البطريرك يوحنّا العاشر كلمة قال فيها بحسب "إعلام البطريركيّة":
"صاحب الغبطة،
السّيّد موفدَ سيادة الرّئيس،
أيّها الحفل الكريم،

بسلام الله أطلّ عليكم سائلًا المولى القدير أن يجزل عليكم من عطاياه السّماويّة ويندّي قلوبكم وقلوبنا جميعًا بذكره الإلهيّ ويملأ نفوسكم بغيث المراحم الإلهيّة لتنسكب شكرانًا وصدقةً ورحمةً في الشّهر الفضيل، شهر الصّدقة وإغاثة الملهوف، شهر المراحم البشريّة الّتي تستدر مراحم الرّحمن على الخليقة وتستنزل سلامه الإلهيّ على براياه وعباده.

إنّ "الله تعالى جلّت آلاؤه وتقدّست أسماؤه الفاطر المبروآت كلّها من العدم إلى الوجود" قد شاءنا جميعًا في هذه البسيطة ومن مختلف الأديان لكي نتنسّم في الآخر عظمة الخالق ونسعى إلى مرضاته. وها نحن اليوم أردناها، نحن كمسيحيّين أنطاكيّين، مائدةً رمضانيّةً تضمّنا جميعًا مسلمين ومسيحيّين في خواتم أيّام الشهر الفضيل ههنا في دمشق ولمناسبة زيارة غبطة أخينا بطريرك الصّرب ايريناوس.

وإنّي باسم إخوتي البطاركة وأخي غبطة البطريرك مار أفرام الثّاني بطريرك السّريان، وسائر الكنائس المسيحيّة والمسيحيّين في سوريا وفي كنيسة أنطاكية، وبالأصالة عن نفسي، أتقدّم منكم أصحاب السّماحة والفضيلة وأحبَّتنا المسلمين بأحرّ الأدعية القلبيّة في نهاية شهر رمضان وحلول عيد الفطر الكريم.

أهلًا بكم غبطة البطريرك والوفد المرافق. أهلًا بكم رسول محبّةٍ وسلام إلى شآم المحبّة والسّلام. أهلًا بالبطريرك إيريناوس، الّذي يشتقّ اسمه في اليونانيّة من السّلام، في أرضٍ كانت وتبقى وستبقى رسالة السّلام إلى دنيا الشّرق وإلى العالم أجمع. لقد آثرنا أن نقيم هذه المائدة ترحابًا بكم وبالوفد المرافق وذلك باسم كلّ أبناء كنيسة أنطاكية وباسم شعب سوريا من كلّ الأطياف وباسم أبناء دمشق خصوصًا الّذين يفتحون لكم قلوبهم.

هذي هي دمشق العصيّة على معاصي التّاريخ وهذا هو شعبها وشعب هذا البلد. هذا هو فينيق الشّرق الّذي ينفض عن ريشه نار الحروب ويسكب من دمه ومن دم أبنائه ليبقى على ضفاف بردى وفي ظلّ قاسيون وفي جيرة الأمويّ وبقرب بولس على طريقه المستقيم. هذا هو الشعّب المتهادي على آذان التّسامح والغافي على أجراس المسيحيّة المشرقيّة. هذا الشّعب توّاقٌ إلى روح السّلام من لدن الإله العليّ. وفي مَقدّمِكم يا صاحب الغبطة يتنسّم عبق السّلام وينفض رغم كلّ أوجاعه ومعاناته غبار الحروب والتّكفير والإرهاب، لأنّ عراقته من عراقة دمشق وأخوّتَه ووحدته تستقي ماءها من محبّة الإنجيل وتسامح القرآن وترتوي حاضرًا قريبًا في تاريخ مشترك عشناه ونعيشه دومًا رغم وعورته ورغم ما يجنيه علينا شظف الأيّام.

الآخر هو محكّ كلّ نفسٍ لتعرف ذاتها ولتعرف عطايا الله لها وله ولتعرف عظمة ورحابة الخالق. يكفينا أن ينظر واحدنا إلى الآخر ليجد نفسه مرتسمًا في عين الآخر. إنّ أوّل مرآة وجدتْ على وجه الأرض هي عين الإنسان الآخر. لقد سرّ الله وشاء أن يجد الإنسان في أخيه مرآتَه هو وصورتَه هو. وفي هذا لنا عبرة؛ إنّ من ينظر إلى الآخر بروح الروية يرى فيه شيئًا من نفسه ومن كينونته المسالمة والمتسالمة مع النفس ومع الآخر. ومن ينظر إليه بالضّغينة والحكم المسبق فإنّما ينظر بالضّغينة وبالحكم المسبق على ذاته. الآخر مرآة الذّات والتّعامل معه مرآة المصالحة مع الذّات. ومن لا يعرف العيش مع الآخر فهو الّذي لا يعرف العيش مع ذاته، وهو بالتّالي غير المتصالح معها ولا مع خالقها. دعوتنا أن نرى في الآخر دومًا قرارة نفسنا ومصداق تصالحنا مع الذّات ومبرّة مسعانا لمرضاة العليّ القدّوس.

نحن على مقربة من ساحة الأمويّين الّذين كان المسيحيّون، ومنهم القدّيس يوحنّا الدّمشقيّ، جليسي بلاطهم ووزراء حكمهم. ونحن على مقربة من الجامع الأمويّ الّذي يضمّ بين ثناياه هام المعمدان يوحنّا. وكلّ هذا لنقول إنّ الأخوّة المسيحيّة الإسلاميّة هي شيء من تاريخ هذي الأرض الّتي إن قدّر لها أن تنتطقَ لأَصدقت قول أحد أسلافنا البطاركة: "إنّ التّراب الّذي شرب دم الشّهداء لم يسأل إذا كان هذا الدّمّ مسيحيًّا أو مسلمًا. الدّمّ واحد هو دمّ الحقيقة. وعندما نتمكّن، ونحن نفعل ذلك، أن نسكب دماءنا رخيصة على تربة الوطن فلا بدّ أن تنبُت دماؤنا شجرة يانعة قويّة تتحدّى عواصف البُطْل ليبقى صوت الحقّ في الدّنيا.
أهلًا بكم ومن جديد غبطة البطريرك والوفد المرافق.

نرجو أن تنقلوا محبّتنا إلى الشّعب الصّربيّ وإلى كنيستكم المقدّسة الّتي هزمت موجة الإلحاد لتغرس المسيح في نفوس أبنائها. ونحن ههنا في شهادة مشرقيّة ليسوع المسيح ولبشرى محبّته لكلّ النّاس. نرجو أن تحملوا شعبنا في صلواتكم كما نحملكم نحن في صلواتنا. صلّوا من أجل سلام سوريا واستقرار لبنان وخير كلّ هذا الشّرق. صلّوا من أجل من تاق إلى السّلام في أرض السّلام الّتي تفتح قلبها لتستقبلكم. صلّوا من أجل المفقودين والمهجّرين والأسرى والأرامل وكلّ من ذاق لوعة الحرب والتّكفير والإرهاب. صلّوا من أجل المخطوفين ومنهم مطرانا حلب يوحنّا إبراهيم وبولس يازجي اللّذان يتعامى العالم عن قضيّتهما الّتي تبقى، كما غيرها الكثيرُ، محكّ الحقّ في مهالك الباطل.

أعاده الله على الجميع فطرًا سعيدًا وعنصرةً مقدّسةً. ومن جديد، غبطة البطريرك، بوركت "أقدام المبشّرين بالسّلام" الّذي نثق أن مقدمكم خير بادرةٍ له لكي يسود ما تبقى من أرض سوريا الّتي نرجوها ونراها واحدةً موحّدةً كاملة السّيادة على كلّ أراضيها.
رحماك، ربّ، نسأل وسلامك الإلهيّ نرجو أنت المبارك إلى الأبد آمين".

من جهته، ردّ البطريرك إيريناوس فقال: "تغمرني السّعادة لوجودي بينكم، لأشهد على محبّتكم في سورية. رأينا فيها التّعايش ولقيا الآخر، هذا اللّقاء السّلاميّ اليوم أنتهزه فرصة، لأعبّر عن محبّتنا لشعبكم ونعايد كلّ أخوتنا المسلمين بمناسبة عيد الفطر السّعيد.

ما سمعته منذ وصولي إلى دمشق لا أتوقّع أن أسمعه في مكان آخر. شعرت أنّ كلّ إنسان ينظر إلى الآخر ويرى فيه وجه الله، وبمحبّتكم صمدتم بوجه طبول الحرب، فليحفظكم الله ويبارككم".