سوريا
07 آذار 2023, 06:55

يونان سام الخوراسقف يعقوب إدور مراد مطرانًا رئيس أساقفة لأبرشيّة حمص وحماه والنّبك وتوابعها، ماذا في التّفاصيل؟

تيلي لوميار/ نورسات
إحتفلت كنيسة السّريان الكاثوليك يوم الجمعة، برسامة الخوراسقف يعقوب إدور مراد مطرانًا رئيس أساقفة لأبرشيّة حمص وحماه والنّبك وتوابعها، باسم "مار يوليان يعقوب مراد"، وذلك خلال قدّاس إلهيّ ترأّسه البطريرك إغناطيوس يوسف الثّالث يونان في كاتدرائيّة الرّوح القدس- حيّ الحميديّة- حمص، عاونه فيه المطارنة: ديونوسيوس أنطوان شهدا، رامي قبلان، يوحنّا جهاد بطّاح، ومتيار شارل مراد، بمشاركة لفيف من الأساقفة، بحضور بطريرك السّريان الأرثوذكس مار إغناطيوس أفرام الثّاني، وبطريرك الرّوم الملكيّين الكاثوليك يوسف العبسيّ، والسّفير البابويّ في سوريا الكاردينال ماريو زيناري، وعدد من الإكليروس من مختلف الكنائس، فيما خدم القدّاس ورتبة الرّسامة الشّمامسة الإكليريكيّون وشمامسة وجوق كنيسة سيّدة النّجاة في زيدل.

أبرشيّتكم الواسعة، وبحضور العديد من الأصدقاء من الشّرق والغرب، إكليروسًا ومؤمنين، للمشاركة الرّوحيّة في فرحة كنيستنا السّريانيّة، وبشكل خاصّ، في بهجة أبرشيّة حمص وحماه والنّبك وتوابعها، بسيامة رئيس أساقفتها الجديد يعقوب مراد، الكاهن والرّاهب، المعروف بروحانيّته ومحبّته وشهادته للرّبّ، وقد تعرّض في السّنوات الأخيرة للخطف والتّعذيب والتّشرّد بسبب إيمانه، ونحمده تعالى لنجاته وعودته سالمًا.

بالرّغم من الخوف والقلق والمعاناة الّتي يعيشها المواطنون في سوريا بسبب الزّلازل المريعة الّتي حلّت بحلب وريفها والعديد من المدن والقرى، وأنطاكية والإسكندرون، ومحافظة اللّاذقيّة وحماه وغيرها، "وضعنا رجاءنا بالمسيح الحيّ"، كما سمعنا من رسالة بولس، وسنبقى شعب الرّجاء الّذي يضع ثقته كاملةً بالرّبّ خالقنا ومدبّرنا. ثقتنا به لن تتزعزع لأنّه المخلّص الّذي يبلسم جروحنا، ويعزّي قلوب المبتلين بوفاة أحبّائهم، ويمسح دموع الحزانى بيننا، ويرافقنا بنعمه. وهو الّذي أكّد لنا في إنجيله المقدّس: "لا تخافوا، ها أنا معكم كلّ الأيّام حتّى انقضاء العالم!". لقد قهر الموت بذبيحته الطّوعيّة على الصّليب، وأشرق علينا بنور قيامته، تأكيدًا على قيامتنا نحن من الخطيئة والموت.

إنّ مشاركتكم هذه هي تأكيدٌ على محبّتكم لأبونا يعقوب، مطرانكم الجديد، يا أعزّاءنا الآباء الخوارنة والكهنة، والشّمامسة والرّهبان والرّاهبات، والأهل والأصدقاء، وأعضاء الأخويّات والحركات الرّسوليّة وجوقة الأناشيد والكشّافة والمنظّمين لهذا الاحتفال البهيج، وجميع المؤمنين، والإخوة من الكنائس الشّقيقة، والشّركاء في الوطن.

نلتقي في كاتدرائيّة "الرّوح القدس" هذه، الشّاهدة لإنجيل المحبّة والسّلام، والشّهيدة في سنوات العنف والإرهاب، كي نجدّد رجاءنا الرّاسخ بالرّبّ يسوع، ونعلن أمانتنا الكاملة لكنيسته المقدّسة، فهي الأمّ والمعلّمة. كما نؤكّد اعتزازنا بمن سبقونا من الرّوّاد المؤسّسين لهذه الأبرشيّة الغالية على قلوبنا، برعاياها ومؤسّساتها، وهي، كما تعلمون، من أوائل أبرشيّاتنا.

قبل خمسين سنة بالتّمام، رافقتُ المثلَّث الرّحمات مار ثيوفيلوس يوسف ربّاني، الّذي كان من الموصل، وهو الّذي عمل وأسّس هذه الأبرشيّة، رافقتُه من دير يسوع الملك (لبنان) إلى هنا، حيث قمنا بتشييعه إلى السّماء. وبعد سيّدنا ربّاني، تذكرون أنّ هناك رعاةٌ عديدون تعاقبوا على رعاية هذه الأبرشيّة، أولئك الّذين تفانوا بصدق كي ينقلوا إلينا الإيمان بقلوب عامرة بالمحبّة والتّآخي، ناشرين حضارة شعب أصيل، صفاتُه الانفتاح على الجميع دون تمييز، والتّعاون والإلفة والمحبّة، والتّعلّق بالوطن الواحد الّذي احتضنهم رغم النّقائص والاعتداءات والتّحدّيات، إن في أزمنة السّلام والازدهار، وإن في أعوام العنف الأعمى والتّجويع الظّالم، اللّذَين فرضَتْهُما قوى الشّرّ الظّلاميّة. ومع كلّ هذه المعاناة والدّمار في البشر والحجر، بقيت سوريا الحبيبة، ولله الحمد، مصونةً ورأسها مرفوع، واثقةً بمستقبل أفضل.

لقد دُعيتَ يا أبونا يعقوب لتسير على خطى من سبق وسعى لخدمة هذه الأبرشيّة العزيزة. رعاةٌ أمناء، أذكر منهم المدبّرَين البطريركيّين اللّذين تعاقبا مشكورَين على رعاية هذه الأبرشيّة خلال فترة شغورها: حضرة الخوراسقف جرجس الخوري، أحد كهنتها، وصاحب السّيادة مار فلابيانوس رامي قبلان المعتمَد البطريركيّ لدى الكرسيّ الرّسوليّ والزّائر الرّسوليّ في أوروبا الغربية، وقد بذل جهده لتأمين الخدمة الرّوحيّة في الرّعايا، والحفاظ على حضور الأبرشيّة على الصّعيدين الكنسيّ والمدنيّ، والقيام بمسؤوليّاتها.

كما علينا أن نقرّ بما قام به سلفاك المباشران: المثلّثا الرّحمات مار ثيوفيلوس جورج كسّاب الرّاعي النّشيط والهمام، ومار ثيوفيلوس فيليب بركات الّذي قام برعاية هذه الأبرشيّة الغالية، بروح الأب والأخ، بالوداعة والتّواضع والابتسامة، فاكتسب محبّة الجميع. وهما الآن شفيعاك لتتابع رسالة الأسقف الصّالح والمتفاني.  

أبونا العزيز يعقوب، في ختام سيامتك سيُتلى عليك "الاستاتيكون"، وهو كتاب توليتك الشّرعيّة على الأبرشيّة، والّذي سيمنحك السّلطة الكنسيّة روحيًّا وإداريًّا على أبرشيّة حمص وحماه والنّبك وتوابعها. وفي هذا الكتاب، سنذكّرك بنعمة دعوتك الأسقفيّة ومتطلّباتها، لذا لن نطيل الكلام عنها في هذا المقام. لكنّنا نرى واجبًا علينا أن ننوّه بأنّ الرّبّ قد اختارك بقرار من مجمع كنيستنا الأسقفيّ، كي تتسلّم أمانة الخدمة الأسقفيّة في أبرشيّة توّاقة إلى أن تكون لها الأب الرّوحيّ الّذي يقدّس النّفوس بالأسرار الخلاصيّة والصّلاة والصّوم، والأخ الحنون والصّبور، والمدبّر الحكيم. هو الرّبّ القائل في إنجيله المقدّس: "لستم أنتم الّذين اخترتُموني، بل أنا اخترتُكم وأقمتُكم لتنطلقوا وتأتوا بثمار وتدومَ ثمارُكم" (يو 15: 16).

يختار الرّبّ تلاميذه، لا لأنّهم يتميّزون عن إخوتهم بمفاهيم العالم المغرور بإنجازاته العلميّة والتّكنولوجيّة، وتغييبه الله، واتّكاله الكلّيّ على المادّة، وليس من أجل كرامة دنيويّة يتباهون بها، بل لأنّهم يمتازون بالوداعة والتّواضع والإقرار بحكمته غير المدرَكة. يقيننا أنّك ستقبل نعمة الأسقفيّة بحرّيّتك، بروح التّفاني المثاليّ والعطاء المجّانيّ، لترعى وترشد وتبذل ذاتك في سبيل إخوتك وأخواتك في أبرشيّتك، دون أيّ تمييز أو إقصاء. كما أنّك مدعوٌّ، بناءً على خبرتك المعهودة، في دير مار اليان في القريتين، أن تقيم العلاقات المسكونيّة الصّادقة مع إخوتك أساقفة الكنائس الشّقيقة، وأن تستمرّ بعيش الانفتاح على مَن يقصدك، دون النّظر إلى طبقته الاجتماعيّة أو طائفته أو دينه.

"كُن مثالاً للمؤمنين بالكلام والسّيرة، بالمحبّة والإيمان والعفاف..."، يتابع مار بولس في رسالته (1 تيم 4: 4): أيّ أن تكون القدوة للجميع في كلّ شيء، لإخوتك الخوارنة والكهنة، وللإكليروس والمؤمنين كافّةً، قدوة متجسّدة بالمثال الحياتيّ الصّادق، وأن تحافظ على الأمانة الكاملة لتعاليم الإنجيل السّماويّة، وتغرف من تراث كنيستنا السّريانيّة الأنطاكيّة العريق، وتغتني من كنوزها الرّوحيّة والطّقسيّة الّتي لطالما أحبَبتَها وافتخرتَ بها.

يتغنّى آباؤنا السّريان بالأسقف وسمّو الكهنوت في إحدى التّرانيم في رتبة تولية الأسقف الأبرشيّ، فيقولون: «ܡܫܺܝܚܳܐ ܢܢܰܛܰܪ ܟܳܗܢܽܘܬܳܟ ܒܥܺܕܬܳܐ ܩܰܕܺܝܫܬܳܐ܆ ܢܶܒܣܰܡ ܪܺܝܚܳܟ ܠܡܳܪܳܗ̇ ܕܟܳܗܢܽܘܬܳܐ܆ ܘܬܶܗܘܶܐ ܢܰܦܫܳܟ ܦܺܝܪܡܳܐ ܕܬܰܪܥܽܘܬܳܐ. ܢܶܗܘܶܐ ܦܽܘܡܳܟ ܟܶܢܳܪܳܐ ܕܙܳܡܰܪ ܫܽܘܒܚܳܐ ܠܡܳܪܝܳܐ ܕܥܰܒܕܳܟ ܥܰܠܠܳܢܳܐ ܘܰܒܥܺܕܬܶܗ ܪܳܥܝܳܐ». وترجمتها: "فليحفظ المسيح كهنوتك في الكنيسة المقدّسة، وليُرضِ عطرك ربّ الكهنوت، ولتكن نفسك بخورًا مقبولاً، وليكن فمك كنّارةً ترنّم المجد للرّبّ الّذي جعلك رئيسًا وراعيًا في كنيسته".

أرسل يسوع تلاميذه "ليروحِنوا" العالم، لا لكي ينقادوا إلى روح العالم. ولا أحدَ يتجاهل ما تجابهه الكنيسة اليوم من تعاليم هدّامة وهجمات شيطانيّة تسوّقها منظَّمات وحركات في السّرّ والعلن، ومن شكوك خارج الكنيسة وداخلها، واجتهادات وسلوكيّات تناقض أخلاقيّتنا المسيحيّة، وبشكل خاصّ حول العائلة الّتي هي الكنيسة البيتيّة والمكوَّنة من رجل وامرأة، من أب وأمّ وأولاد، بحجّة أنّ على الإيمان أن يرافق التّطوّر الّذي تتغنّى به العولمة، ممّا جعل خدمتنا الأسقفيّة محفوفةً بالمصاعب والأخطار. ولكنّ الرّبّ وعد كنيسته أن يبقى معها حتّى انقضاء الدّهر: "وأبواب الجحيم لن تقوى عليها"، كما جاء في الإنجيل الّذي سمعناه.

"وَحِّد قلبي فأخافَ اسمك": لقد اخترتَ، يا أبونا يعقوب، هذا الشّعار لخدمتك الأسقفيّة، من سفر المزامير (مزمور 86: 11)، لكي تؤكّد أنّ على قلبك أن يكون موَحَّدًا بمحبّة الرّبّ يسوع وقوّته، كي تجابه تحدّيات هذا الزّمن، حيث العواطف تتشتّت، والعقل يتردّد. ولكن تشجّع: "تكفيك نعمتي"، بحسب قول الرّبّ لبولس رسول الأمم.

نرافق المطران الجديد بصلواتنا الحارّة وأدعيتنا الصّادقة، ونعاهده بمحبّتنا وتضامننا. فيبرهن بانفتاحه الإيجابيّ على الجميع، على اختلاف معتقداتهم وآرائهم وثقافاتهم، أنّه تلميذ الرّبّ يسوع، المستنير دومًا بأنوار الرّوح القدس، من حكمة وفهم ومشورة. وكما نرنّم في رتبة السّيامة الأسقفيّة: «ܒܪܳܐ ܕܰܒܡܰܘܗܰܒܬܶܗ ܠܰܫܠܺܝ̈ܚܶܐ ܕܺܝܠܶܗ ܚܰܟܶܡ ܐܰܠܳܗܳܐ܆ ܚܰܟܶܡ ܒܡܰܘܗܰܒܬܳܟ ܠܥܰܒܕܳܟ ܕܰܡܣܰܟܶܐ ܠܪܽܘܚܳܟ ܕܒܶܗ ܢܶܬܚܰܟܰܡ»، وترجمتها: "أيّها الإله الإبن الّذي بموهبته فقّه رُسُله، إمنحْ بموهبتك الحكمة لعبدك الّذي ينتظر روحك لكي ينال به الحكمة".

فلتكن خدمة المطران الجديد عَرفًا طيّبًا وذبيحة شكرٍ لله الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، له المجد والشّكر على الدّوام، آمين."

وكان المطران مار فلابيانوس رامي قبلان قد ألقى كلمة عبّر فيها عن الامتنان للبابا فرنسيس الّذي لا يكلّ ولا يتعب من ذكر اسم سوريا في نداءاته وصلواته، مشيرًا إلى أنّ سفراء الكرسيّ الرّسوليّ يطالبون برفع العقوبات عن الشّعب السّوريّ ليعمّ السّلام في البلاد. كما شكر البطريرك يونان الّذي منحه شرف خدمة هذه الأبرشيّة كمدبّر بطريركيّ، شاكرًا أيضًا كهنة الأبرشيّة، رافعًا الصّلاة من أجل المطران الجديد "كي يقوده الرّوح القدس في خدمته الجديدة، كما رافقه في دعوته الرّهبانيّة والكهنوتيّة، وكان له النّور والمعزّي في أحلك الأوقات خلال فترة الأسر".  

وبعد المناولة، أكمل المطران الجديد القدّاس الإلهيّ، وألقى كلمة شكر أعلن فيها شعاره الأسقفيّ "وحِّد قلبي فأخافَ اسمك" (مز٨٦/١١)، فقال: "إنّ الرّبّ يسوع المسيح عندما اختار بطرس وأقامه على الرّسل، أقامه ليكون المبدأ المنظور للوحدة وأساسَها في كنيسته الخاصّة، وحدة الإيمان والشّركة، وحدة التّعليم والتّقديس والإدارة بالمحبّة، وحدة الشّهادة والمصير".  

وتابع: "حيٌّ الله، هذا ما نقوله في القريتين تعبيرًا عن الفرح في اللّقاء، وهو تعبير كتابيّ نبويّ نجده عند صموئيل النّبيّ في حديثه مع الله وعدّة أنبياء.  

إنّني تلميذ الرّبّ يسوع المسيح الرّاعي الصّالح الّذي أتى إلى العالم ليخلّص البشريّة كلّها، وابن كنيستي السّريانيّة الأنطاكيّة والّتي نفتخر جميعنا بأنّ اسمها من اسم الأرض الّتي نحن قائمون عليها، والوطن الّذي قدمُه بقدم التّاريخ، ومجده التّاريخ وكلّ إنسان يحيا على أرض هذا الوطن العزيز، ويحمل عزّ الوطن أينما ذهب وحلَّ.

إنَّني ابن هذه الأبرشيّة الّتي استقبلَتْني عام ١٩٨٩ لأكون أحد أعضاء إكليروسها، وأوَّلُ راهب في كنيستنا السّريانيّة من بعد انقطاعٍ للحياة الرّهبانيّة دام سنين كثيرة. إنّني في كلمتي هذه أودّ أنّ أذكر بكثير من الشّكر والامتنان من هيّأ لي الطّريق وكان لي أبًا ومرشدًا، هو الرّاهب اليسوعيّ باولو دالوليو الشّاهد والشّهيد في الكنيسة، الّذي اتّبع المسيح حتّى النّهاية، فبذل ذاته على مثال معلّمه مخلّفًا جماعةً رهبانيّةً عظيمةً في شهادتها، صغيرةً في عددها، حاضرةً في الكنيسة، في الدّير العريق، دير مار موسى الحبشيّ في برّيّة النّبك، والّذي أفتخر بأنّي كنتُ أوّل من سمع نداء الرّبّ لأتبعَه في إعادة تأسيس الحياة الرّهبانيّة فيه، سائرًا جنبًا إلى جنب مع أبينا باولو، ومن ثمَّ مع جماعتي الرّهبانيّة الحاضرة معنا اليوم، والّتي أشكرُها على تضحيتها بأحد أعضائها لأجل غايةٍ أسمى، وهي خدمة شعب الله. نعم أنا أترك الدّير الّذي أحببتُه إلى الغاية، والّذي يبقى حاضرًا ومشعًّا في قلبي، لأكون أبًا وراعيًا لأبرشيّتنا الحبيبة.  

إنَّني إذ أقف اليوم أمامكم شاكرًا من كلّ قلبي صاحب الغبطة أبينا البطريرك مار إغناطيوس يوسف الثّالث يونان الّذي وضع يديه عليَّ لأنال بالنّعمة الإلهيّة الدّرجة الأسقفيّة، باتّحاد مع أصحاب السّيادة أحبار كنيستنا السّريانيّة الحاضرين معنا هنا في هذا الاحتفال المهيب. كما أشكرُ كلَّ آباء سينودس كنيستنا السّريانيّة المقدّس، على اختيارهم لي كي أكون أبًا وراعيًا لكنيسة المسيح، وأولوني خدمة أبرشيّة حمص وحماه والنّبك وتوابعها للسّريان الكاثوليك. إنّي أفهم هذه التّولية كما عبّر عنها القدّيس بولس في رسالته إلى أهل فيلبّي: "أسعى لعلّي أستولي كما استولى عليَّ المسيح" (فل ٣/ ١٢). يا يسوع الكاهن الأعظم وحدك، اشفع فينا نحن الكهنة، وأهّلنا لنلبس حلّة المجد الّتي لا تبلى.

أشكركم في الرّوح القدس الّذي نؤمن بأنّه لا يزال يعمل في الكنيسة المقدّسة من خلال كلّ تلميذ، سيّما مَن كرّسوا حياتهم فيها حبًّا بالمسيح وحده فقط، والّذين يمارسون محبّته هذه في خدمة أعمال الرّحمة والمحبّة الّتي ليس لها حدود ولا شروط. "نحن خدّام الإنجيل من أجل رجاء العالم" (البابا فرنسيس).

أتوجّه بالشّكر العميم من قداسة الحبر الأعظم البابا فرنسيس على شهادة إيمانه الّتي تلمس قلوب الكثيرين، وأنا منهم، والّذي قَبِل انتخاب أصحاب السّيادة آباء السّينودس المقدّس. أشكره بشخص الكاردينال ماريو زيناري السّفير البابويّ في سوريا، الّذي رافق كنيستنا وبلدنا طوال سني المحنة العصيبة الّتي ألمّت بنا ولا تزال، والّذي يحمل في مواقفه فكر قداسة البابا فرنسيس من خلال مبادراته العديدة الّتي يعبّر فيها عن حضور الكنيسة الجامعة مع الكنيسة السّوريّة وكلّ الشّعب السّوريّ. له نقول شكرًا من القلب، لأنّه رجل الوحدة وتعزية كلّ المتعبين. كما أشكر صاحبي الغبطة مار إغناطيوس أفرام الثّاني ومار يوسف العبسيّ اللّذين بمشاركتهما عبّرا أجمل تعبير عن وحدة الكنيسة والسّعي للشّركة الكاملة.  

ولا أنسى بشكري العميق والدّعاء لممثّلي مؤسّسات الدّولة والوزارات، وأخصّ بالشّكر والافتخار معالي الوزيرة ديالا بركات ابنة حمص وابنة أبرشيّتنا، والشّكر موصول لعطوفة محافظ حمص، وأمين فرع حزب البعث العربيّ الاشتراكيّ، وكافّة الأجهزة الأمنيّة والسّياسيّة.  

والآن أتوجّه إلى مجلس أساقفة حمص المسكونيّ لأقول لكم: إنّني الأصغر بينكم، وإنّي مستعدٌّ لأشارككم في كلّ ما يؤول إلى خير النّفوس وتعزية النّاس ومجد الله. لذلك أضع ذاتي في خدمة البشارة معكم، متّكلاً على إرشاداتكم وخبرتكم في الرّعاية، وفي الشّركة الكنسيّة. وأسألكم اليومَ أن تقبلوني شريكَا معكم في مسيرتنا وسعيِنا لنحقّق رغبة الرّبّ يسوع في وحدة كنيسته هو وليس كنائسنا.  

أريد أن أشكر الآن آباء أبرشيّتي الّذين استقبلوني حينها في مصافهم، والّذين هم رموزٌ للخدمة والتّواضع، مبتدئَا بصاحب السّيادة المطران رامي قبلان المدبّر البطريركيّ لأبرشيّتنا، الصّديق الّذي رافقني في أكثر مراحل مسيرتي حساسيّةً، فله في قلبي عرفانٌ بالجميل وشكرٌ لوقوفه إلى جانبي ولما عمله لأبرشيّتنا ولا يزال. والخوراسقف ميشيل نعمان النّائب القضائيّ لأبرشيّة حمص وحماه والنّبك وتوابعها للسّريان الكاثوليك، الّذي هو اليوم رمزٌ من رموز حمص ورمز مطرانيّتنا بأمانته وتحدِّيه وصبره على كلّ ما مرّت به أبرشيّتنا من ضيقات وصعوبات، إلّا أنّه بالأمانة مع الرّجاء عبر ولا يزال، لنَصِلَ معَا إلى المجد. أفكّر وأصلّي معكم لراحة أنفس كلّ رؤساء الأساقفة الّذين خدموا بأمانة أبرشيّتنا الحبيبة. وأقول لإخوتي في الكهنوت: أريد أن أعبّر لكم عن فرحي بأن أكون لكم أبَا ومرشدَا، فأنا منكم ولكم، نحن نعرف بعضنا بعضَا، والرّبّ يعرفنا جميعَا. ولا ضرورة للتّأكيد بأنّ دار المطرانيّة هذه هي بيتكم الثّاني، تجدون فيها مكانَا خاصَّا يعزّز في داخلكم الفرح والشّعور بالانتماء. ويدي ممدودة لتلاقي أيديكم، فنتعاون معًا في خدمة الأبرشيّة الّتي تسلّمناها من آبائنا أمانةً وكنزًا. لنسر معًا في خدمتها، ولنتنافس في التسامي بها على سلَّم القداسة.

والآن، أتى دور أهلي الّذين كانوا لي ولإخوتي مدرسة الإيمان الأولى والحبّ الأوّل والقدوة الأولى في التّضحية التّفاني ليربّونا على قيم الإنجيل ومحبّة الله والقربان، إذ لا أنسى أبي، رحمه الله، الّذي خدم مذابح كنائس عدّة في حلب لسنين طويلة، وكان يأخذني معه، وأمّي الّتي علّمَتْنا محبّة العذراء مريم، إذ كانت تُجلِسُنا حولها لنصلّي مسبحة الورديّة. كما أشكر إخوتي الحاضرين هنا معنا اليوم، وأخي في الغربة، الّذين رافقوني وسندوني وتألّموا لأجلي خلال مراحل مسيرتي التّكرّسيّة.  

كما أشكر الله على من رافقوني وكانوا قدوة لي في مسيرتي في مدرسة الصّداقة من راهبات القلبين الأقدسين الحاضرات معنا اليوم، وكم تعزيتي كبيرة بوجودهم اليوم، وبمشاركة الرّئيسة العامّة الأمّ برناديت رحيّم، وفي مدرسة الإيمان كم أفتخر بأنّ سيّدنا بطرس مرياتي رئيس أساقفة الأرمن الكاثوليك في حلب، والّذي كان مديرًا لمدرستي، وهو الّذي علّمني الدّيانة المسيحيّة مع المثلَّث الرّحمات الورتبيت جورج شهباز الّذي كان لي أبًا ومعلّمًا وقدوةً. ولا أنسى المثلّث الرّحمات الخوراسقف ليون عبد الصّمد كاهن رعيّتنا في حلب. لأصل إلى الخوراسقف منير سقّال النّائب العامّ لأبرشيّة حلب للسّريان الكاثوليك، الّذي كان أوّل من رافقني في مسيرة اكتشاف دعوتي الكهنوتيّة لأصل إلى دير سيّدة النّجاة- الشّرفة. كما أشكر من رافقوني هناك في مسيرة التّكوين، ومنهم سيادة المطران مار يعقوب جوزف شمعي رئيس أساقفة الحسكة ونصيبين الحاضر معنا، وسيادة المطران مار فلابيانوس يوسف ملكي الّذي كان رئيسًا لدير الشّرفة حينها. وإذ أترك القلب يشكر مَن كانا ليَ رفيقين قريبين وأمينين لمسيرةٍ طويلةٍ كانت وما زالت من المحبّة والصّداقة وضعناها دائمًا في خدمة الرّسالة، أشكركما يا صاحبي السّيادة مار يوحنّا جهاد بطّاح رئيس أساقفة دمشق للسّريان الكاثوليك، ومار متياس شارل مراد النّائب العامّ لأبرشيّة بيروت البطريركيّة، إشبينيَّ اليوم في خدمتي الأسقفيّة.  

ولا أنسى من علَّموني وفقَّهوني في الفلسفة وللّاهوت واللّيتورجيا في جامعة الروح القدس– الكسليك، وهم كثر، وأفتخر بأنّي كنتُ تلميذًا لهم، وأصلّي لراحة أنفس من رقدَ منهم في المسيح.

أشكر من وضع عليَّ يديه ليسمني لخدمة الكهنوت المقدّسة، صاحب السّيادة المطران مار ربولا أنطوان بيلوني، والّذي كان حينذاك رئيس أساقفة حلب للسّريان الكاثوليك.

وأعبّر الآن عن شكري الكبير لكلّ رعايا أبرشيّتنا الحبيبة الّتي فتحت قلوبها وبيوتها وكنائسها لاستقبالي، فصور أبنائها مطبوعة في ذاكرتي عندما كنتُ أُدعى لأعظ رياضات الصّوم الكبير، وفي تعليم جوقات التّرتيل، واللّقاءات الرّوحيّة. معًا سوف نسعى لنعيش بكرامة وحبّ، نحن وكلّ عائلات أبرشيّتنا، لنضمن أبسط الحقوق المذكورة في شرعة حقوق الإنسان، ولنمدّ يد العون لكلّ الكنائس ومؤسّسات الدّولة، لنرتقي بالإنسان السّوريّ إلى مكانته اللّائقة حيث يستحقّ أن يكون. وها أنا أضع نفسي في خدمتكم قائلاً لكم: إنّني أوّلاً أب روحيّ لكلّ واحدٍ وواحدةٍ منكم، وهذا يعني أنّني حاضر ومستعدّ وقريب. باب المطرانيّة مفتوح دائمًا لكلّ محبٍّ لله، وثانيًا إنّني راعٍ لكم، وأرغب ومن خلال الآباء الكهنة أن أهتمّ بكلّ ما تحتاجونه روحيًّا أوّلاً، كما في كلّ أمر على قدر المستطاع بإذن الله.

وفي شكري هذا، أتوجّه ليس فقط لمن هم في الأبرشيّة، إنّما أيضًا لمن هم في بلاد الاغتراب من أبناء أبرشيّتنا ومن الأصدقاء في كلّ مكان، في الأميركيّتين وأوروبا والعالم، والّذين يتابعوننا على مواقع التّواصل الاجتماعيّ. أطلب صلواتكم لأجلي ولأجل أبرشيّتكم، ثقوا أنَّكم في صلاتي، وأنَّ هذه الأبرشيّة بيتكم.

إسمحوا لي أن أخصّ بالشّكر رعيّة مار اليان- القريتين الّتي خدمتُها مدّة خمسة عشر عامًا، وفيها تعلّمتُ أن أكون أبًا وراعيًا. وأقول لكم: إنكم في قلبي وصلاتي أينما كنتم، إذ أعرف بأنّ الكثيرين منكم كانوا يودّون لو كانوا معي كما أنّي كنتُ معكم دومًا، إلّا أنّ ضيق المكان منع القريبين منكم من التّواجد، والبعيدين بسبب المسافات الّتي تفصلهم عنّا. كما أريد أن أشكر كلّ أهالي القريتين الأمينين للعشرة، والّذين عشتُ معهم وشاركتُهم أحلى وأصعب الأيّام، ولا نقول إلّا الحمد لله الّذي أظهر لطفه علينا، ولنترحّم على أنفس من استشهدوا وضحّوا بأنفسهم ثابتين على قيمهم في الإيمان والإخلاص للوطن.  

والآن، اسمحوا لي أن أتوجّه باسمي وباسمكم بالشّكر لأصدقاء جماعتنا الرّهبانيّة في كلّ مكان في العالم، الّذين وقفوا إلى جانبنا منذ بدء دعوتنا الرّهبانيّة في دير مار موسى، ورافقونا إلى اليوم، وأخصُّ منهم الحاضرين معنا هنا، الّذين أتوا من بعيد ليعبّروا، ليس فقط عن حبّهم لجماعتنا وكنيستنا، إنّما عن حبّهم لسوريا.  

أشكر جوقة سيّدة النّجاة في زيدل وشمامستها، الّتي يربطني بهم تاريخ رائع، الّذين يحيون احتفالنا هذا بالقدّاس الإلهيّ والسّيامة الأسقفيّة، وأخصّ بالشّكر المرنِّمة الّتي تفتخر بها أبرشيّتنا كلَّها، السّيّدة سناء بركات طنّوس. كما أتذكّر كلّ أعضائها الّذين تغرَّبوا وقلوبُهم هنا، والّذين غادروا هذه الدّنيا وهم حاضرون في صلاتنا، إذ في مثل هذا اليوم سنة ٢٠٠٠ احتفلنا في هذه الكاتدرائيّة بالقدّاس الإلهيّ الّذي فيه وضع صاحب الغبطة المثلَّث الرّحمات البطريرك الكردينال مار إغناطيوس موسى الأوّل داود يده، ورقّى إلى الدّرجة الأسقفيّة المثلَّث الرّحمات مار ثيوفيلوس جرجس كسّاب، وكنتُ أنا من يقود آنذاك الجوقة.

أشكر كلّ الّذين تعبوا وسهروا كي يكون هذا الاحتفال لائقًا بكرامة أبرشيّتنا، خصوصًا فريق محبّة زيدل الإعلاميّ الرّسوليّ، وفرقة الكشّافة- الفوج الأوّل في المطرانيّة، وفعاليّات الكاتدرائيّة.

أخيرًا، نرفع الدّعاء إلى الله ونحن مجتمعون معًا في بيت الله لأجل هذه الأيّام العصيبة الّتي يعيش فيها النّاس تحت نير الخوف من جرّاء الزّلازل الّتي توالت على منطقة الشّرق الأوسط، كي يرفع الله عنّا بقدرته العزيزة هذه الويلات، وينعم علينا وعلى بلدنا الحبيب سوريا، رئيسًا وحكومةً وشعبًا طيّبًا، بالاستقرار والسّلام والطّمأنينة، بشفاعة أمّنا العذراء مريم والدة الإله القديرة، وبشفاعة قدّيسي أبرشيّتنا مار موسى الحبشيّ ومار يوليان الشّيخ النّاسك وكلّ القدّيسين، آمين".

وبعد البركة الختاميّة، تقبّل المطران الجديد التّهاني من الحضور.