دينيّة
12 آب 2024, 09:00

لسنا ديانة كتاب بل نتبع يسوع

تيلي لوميار/ نورسات
بقلم المطران جوزف معوّض، راعي أبرشيّة زحلة المارونيّة

 

 في هذا المثل، يتحدّث يسوع عن موقف الإنسان من كلمة الله. هذه الكلمة، كان يسوع يعلنها وينشرها في تجواله التبشيريّ بين المدن والقرى. وبعد صعوده إلى السماء، وحلول الروح القدس، وبتدبير إلهيّ، حُفظت مكتوبة في الكتاب المقّدس، ذي العهدين، القديم والجديد.  

     الكتاب المقدّس هو كلمة الله لأنّه ملهَم من الروح القدس. كتبه بشر بكلمات بشريّة تنقل إلينا كلمة الله (الوحي الإلهيّ 11). فالروح القدس أنار الذين كتبوه حتّى ينقلوا كتابة، بأسلوبهم الشخصيّ، ما هو مطابق لإرادة الله، في ما يتعلّق بالحقائق الإيمانيّة. وتقيم الكنيسة المقارنة التالية، فكما أنّ ابن الله عندما تجسّد، تشبّه بنا في كلّ شيء ما عدا الخطيئة، كذلك كلمة الله تشبّهت بكلماتنا البشريّة في الكتاب المقدّس بإلهام الروح القدس (الوحي الإلهيّ 13).

الكتاب المقدّس الملهم، مع التقليد المقدّس، هو القاعدة العليا لإيمان الكنيسة. فهو ينقل إلينا تدبير الله والحقيقة التي أوحاها، بصورة معصومة عن الخطأ (الوحي الإلهيّ 21). محور هذا التدبير والحقيقة الموحاة هو يسوع المسيح. ولا بدّ من التوضيح، في هذا السياق، أنّنا لسنا ديانة كتاب، بل نتبع شخصًا، هو يسوع، والكتاب المقدّس تدبير يساعدنا على اتّباعه.

ما هو موقف المؤمن من هذه الكلمة المحفوظة في الكتاب المقدّس؟ يشير يسوع المسيح إلى أربعة مواقف، يرمز إليها بالحَبّ المزروع في أراضٍ مختلفة.

ـ الموقف المعبَّر عنه في الحَبّ على جانب الطريق والذي أكلته الطيور، هو موقف من يهمل هذه الكلمة، ولا يصغي إليها، إذا قرئت في الليتورجيا أو خارجها، ومن لا يكترث بتطبيقها.

ـ والحَبّ على أرض صخريّة، من دون جذور، يرمز إلى الذين يقبلون الكلمة، ولكنّهم لا يثبتون فيها عندما تتطلّب منهم حمل الصليب.  

ـ والحَبّ على الأرض حيث الشوك الذي يخنقه، يرمز إلى الذي يقبل الكلمة، ولكنّه لا يثبت عليها بسبب مغريات الحياة، والبحث عن المال أو الشهوة أو المنصب.

- أمّا الحَبّ في الأرض الطيّبة، فيمثّل الذين يسمعون الكلمة، ويحفظونها، ويثبتون فيثمرون. هذا الحّب يمثل المؤمنين الحقيقيّين، وهم الذين:

ـ يصغون إلى الكلمة. يطلب السيّد المسيح الإصغاء حين يقول من له أذنان سامعتان فليسمع (متّى 11/15). ويتطلّب الإصغاء تواضعًا، لأنّ المؤمن الحقيقيّ يعترف بأنّه لا يعرف كلّ شيء، ويحتاج إلى أن يتلقّى النور من الله، وكلمته هي النور الذي يكشف عن إرادته.

ويكون الإصغاء بصورة خاصّة في الليتورجيا كالقدّاس والإكليل والمأتم والعمادة، حيث تُتلى كلمة الله في الرسالة والإنجيل، والمؤمنون مدعوّون إلى الإصغاء إليها بخشوع. ونصغي إلى كلمة الله في القراءة الشخصيّة والدائمة والمتأنّية للكتاب المقدّس، وخصوصًا الإنجيل. يجب أن تكون قراءة الإنجيل جزءًا ثابتًا من صلاتنا، ونحن نقرأ لنفهم ولنعيش.

- ومن يصغي يحفظ الكلمة، أي يفكّر ويتأمّل فيها حتّى تترسّخ في قلبه، فتكون ملهِمة للأفكار والمواقف والعواطف والكلمات والأفعال.

- ومن يحفظ الكلمة ويثبت فيها، يثمر. الثمر هو الأعمال، فلا تكفي معرفة الكلمة بل عيشها. فالمسيحيّ لا يحيا لنفسه، كما يريد هو، بل بحسب ما تعلنه كلمة الله، فيحيا لمن مات من أجله. المؤمن مدعوّ إلى أن يقوم بفحص ضمير، مراجعة حياة، ليرى إذا كانت حياته مطابقة لكلمة الله أم لا؟