مصر
18 نيسان 2023, 07:50

إليكم رسالة البابا تواضروس الثّاني الفصحيّة!

تيلي لوميار/ نورسات
لمناسبة الاحتفال بعيد القيامة المجيدة، وجّه بابا الإسكندريّة وبطريرك الكرازة المرقسيّة رسالة جاء فيها:

"أهنّئكم جميعًا بعيد القيامة المجيد في عام 2023. نحتفل بالقيامة المجيدة بعد هذا الصّوم الطّويل، الصّوم المقدّس والّذي امتدّ إلى 55 يومًا.نحتفل بالقيامة كما في كلّ عام. وكما تعلمون أنّ احتفال القيامة هو احتفال بأساس إيماننا. وهذا الاحتفال بالقيامة هو احتفال بالمسيحيّة، والاحتفال بالإيمان بالمسيح. ولذلك نحتفل بالقيامة في كلّ يوم في صلاة باكر بالأجبية، ونحتفل بها في كلّ أسبوع في يوم الأحد لأنّه يوم القيامة ويوم النّور. ونحتفل بها أيضًا في كلّ شهر في تاريخ 29 من الشّهر القبطيّ، وهو تذكارات للبشارة وللميلاد وللقيامة. ونحتفل بها كلّ عام في عيد القيامة المجيد ويمتدّ احتفالنا إلى 50 يومًا نسميها الخماسين المقدّسة.

والحقيقة أنّ عطايا القيامة عطايا كثيرة جدًّا في حياة الإنسان. وأودّ أن أتحدّث معكم عن عطيّة من العطايا الغنيّة الّتي في قيامة ربّ المجد. هذه العطيّة هي عطيّة العين الإيجابيّة للحياة.

الإنسان خلق له الله العين كعضو للنّظر. خلق له عينان في وجهه لكي ينظر إلى الحاضر وينظر إلى المستقبل ولم يخلق له عينًا في الخلف حتّى لا ينظر إلى الماضي. جعله ينظر إلى الأمام دائمًا. وهذه العين على الرّغم أنّنا نشترك جميعًا في تركيبها، التّركيب الفسيولوجيّ والتّركيب التّشريحيّ، ولكن نظرة العين تختلف من واحد إلى آخر لنفس الشّيء. لذلك العين الإيجابيّة للحياة تتميز بثلاث ميزات:

الميزة الأولى أنّها عين واقعيّة. تنظر للأمر في واقعيّته وفي حدوده وفي شكله وليس في الخيال. وتنظر للأمر في واقعيّته، إنّه أمر واضح أمام الإنسان ولا يحتمل أيّ تأويل.

الجانب الآخر للنّظرة الإيجابيّة للحياة، إنّها نظرة إنسانيّة. يعني يجب أن تشتمل نظرة الإنسان للأمور على عمل الرّحمة. لأنّ عكس الرّحمة توجد القساوة. والقساوة امتلأت بها قلوب كثيرة في العالم. ولذلك نظرتها ليست نظرة إنسانيّة.

الجانب الآخر للعين، يجب أن تكون النّظرة متكاملة وليست نظرة متناقصة. كما تدرون جميعًا أنّنا نقول الكوب الّذي فيه جزء من الماء، هذا الكوب ممتلئ أم ناقص؟ البعض يراه كوبًا ممتلئًا من الماء، هذه نظرة إيجابيّة ونظرة متكاملة. والبعض يراه كوبًا ناقصًا، وبالتّالي هذه نظرة سلبيّة.

هذه الأمور، النّظرة الواقعيّة والنّظرة الإنسانيّة والنّظرة المتكاملة، تشكّل جميعها العين الإيجابيّة للحياة.

سأعطيكم بعض الأمثلة من أحداث الصّليب والقيامة.

كان يوحنّا الحبيب، ويهوذا الإسخريوطيّ، تلميذين من الإثني عشر، اختارهما السّيّد المسيح، ورأيا تعاليم السّيّد المسيح ومعجزاته وكانا معه. وبالتّأكيد كان هناك حوارات بينهما وبين السّيّد المسيح. يوحنّا الحبيب كان له النّظرة والعين الإيجابيّة للحياة. نراه يرتبط بالسّيّد المسيح، يصل معه حتّى إلى الصّليب وإلى المحاكمات. ونراه يجد المتعة الكبيرة في أنّه يتّكئ برأسه على صدر السّيّد المسيح. وهو أطلق على نفسه "التّلميذ الّذي كان المسيح يحبّه" (يوحنّا 19: 26). في المقابل، يهوذا الإسخريوطيّ كانت نظرته مادّيّة، وكانت نظرته سلبيّة. ولم ير في المسيح أنّه المخلّص الفادي الّذي جاء لأجل خلاص العالم. ولأنّه لم يجد فيه تحقيق أطماعه المادّيّة أو الأرضيّة ولذلك باع سيّده بثلاثين من الفضّة. وفي النّهاية ذهب وشنق نفسه ومات وخسر نصيبه الأبديّ. الإثنان لهما نفس الموقف، واحد له العين الإيجابيّة والآخر له العين السّلبيّة.

مثال آخر نراه في أحداث الصّليب عندما ننظر إلى اللّصّين، وهما اللّصّ الّذي كان عن شمال المسيح والآخر عن يمين المسيح. صلبوا لصّين مع السّيّد المسيح إمعانًا أنّه مجرم. اللّصّ الشّمال كان له حديث كبير "إذا كنت أنت المسيح، فخلّص نفسك وإيّانا" (لوقا 23: 39)، وارفع عنّا الألم الّذي نحن فيه، ألم الصّليب. اللّصّ اليمين كان له نظرة في نفس الموقف وفي نفس التّوقيت ونفس الشّواهد. اللّصّ اليمين ينظر نظرة إيجابيّة، ويفطن إلى رؤية مغايرة: "أمّا نحن فبعدل لأنّنا ننال استحقاق ما فعلنا" (لوقا 23: 41). ونظر إلى المسيح وقال: "أذكرني يا ربّ متى جئت في ملكوتك" (لوقا 23: 42). كانت هذه العبارة، عبارة صلاة، عبارة توبة، عبارة نداء، عبارة رجاء. وقبلها السّيّد المسيح في آخر ساعات حياة اللّصّ اليمين. وقال له: "الحقّ أقول لك: أنّك اليوم تكون معي في الفردوس" (لوقا 23: 43).

هذه الصّورة تنطبق في نماذج كثيرة جدًّا للعين الإيجابيّة للحياة. ولذلك أيّها الأحبّاء، تمسّك أن تكون لك عين إيجابيّة. عين إيجابيّة تنظر للأمور في إيجابيّتها لكلّ أحداث حياتك اليوميّة، أحداث العمل والخدمة والأسرة. كلّ هذه الأحداث يجب أن تكون لك فيها النّظرة الإيجابيّة. هذا هو فعل القيامة المجيدة في حياة الإنسان. واجعل قلبك دائمًا مرفوعًا وتقول: يا ربّ أعطني العين الإيجابيّة الّتي ترى الأمور في حقيقتها وفي جمالها وفي إيجابيّتها، ابعدني عن النّظرة السّلبيّة أو النّظرة الضّيّقة أو النّظرة الّتي لا ترى إلّا ما هو سيّء. الحياة فيها جمال ممتدّ في كلّ عمل صالح.

أنا سعيد أن أرسل لكم هذه الرّسالة. أقدّم التّهنئة القلبيّة باسم الكنيسة القبطيّة وباسم المجمع المقدّس، وأقدّمها من هنا من مصر إلى كلّ الأبرشيّات وإلى كلّ الكنائس والأديرة في ربوع العالم كلّه. أهنّئ إخوتي الأحبّاء الآباء المطارنة والآباء الأساقفة والآباء الكهنة والآباء الرّهبان والأمّهات الرّاهبات ومجالس الكنائس وكلّ الشّباب وكلّ الخدّام وكلّ الشّمامسة وكلّ الشّعب وأيضًا إلى كلّ الأطفال. أهنّئكم جميعًا أينما كنتم، في أوروبا، أفريقيا، آسيا، أميركا الشّماليّة، أميركا الجنوبيّة، أو في قارّة أستراليا. أهنّئكم جميعًا. وهذه التّهنئة أحملها إليكم، إلى كلّ فرد طالبًا من ربّنا يسوع المسيح القائم من بين الأموات أن يفرّحكم على الدّوام وأن يعطيكم العين الإيجابيّة لكلّ عمل ولكلّ حدث في حياة الإنسان. لإلهنا كلّ مجد وكرامة من الآن وإلى الأبد، آمين."