الفاتيكان
23 كانون الأول 2022, 07:30

الإمتنان والارتداد والسّلام هدايا تمنّاها البابا فرنسيس لعيد الميلاد

تيلي لوميار/ نورسات
ثقافة السّلام تُبنى انطلاقًا من قلب الإنسان، هو ما شدّد عليه البابا فرنسيس خلال استقباله أعضاء الكوريا الرّومانيّة صباح الخميس لتبادل التّهاني الميلاديّة تبعًا للعادة السّنويّة، متمنّيًا أن يحمل عيد الميلاد هدايا ثلاث: الامتنان والارتداد والسّلام.

هذه الأمنيات أعلن عنها البابا فرنسيس في خطاب توجّه به إليهم، استهلّه بحسب "فاتيكان نيوز" "متحدّثًا عن مجيء الرّبّ يسوع إلى هذا العالم، لافتًا إلى أنّه اختار الفقر، وبالتّالي فإنّ كلّ واحد منّا مدعوّ اليوم للعودة إلى ما هو جوهريّ في الحياة، والتّخلّص من كلّ ما هو فائض والّذي يعيق مسيرة القداسة. بعدها أكّد البابا أنّه لا بدّ أن نتذكّر على الدّوام الخير الّذي صنعه معنا الله، وبالتّالي لا بدّ من الشّعور بالامتنان تجاه الرّبّ، مشيرًا إلى قصّة البرص العشرة في الإنجيل الّذين أبرأهم يسوع، وقد عاد واحد منهم فقط ليشكره، وكان سامريًّا، وهذا التّصرّف سمح لهذا الرّجل بالحصول على الشّفاء الجسديّ وعلى الخلاص أيضًا. فاللّقاء مع الخير الّذي صنعه معنا الله لا يقتصر على الأمور الشّكليّة إنّما يلامس أعماقنا. وذكّر البابا بأنّ أسوأ ما يمكن أن يتعرّض له الإنسان هو أن يعتقد أنّه ليس بحاجة إلى الارتداد، أكان على المستوى الفرديّ أم الجماعيّ. وهذا الارتداد يعني أخذ رسالة الإنجيل على محمل الجدّ، والعمل على تطبيقها في حياتنا اليوميّة.

بعدها لفت الحبر الأعظم إلى أنّ هذه السّنة صادفت الذّكرى السّتّون على بداية أعمال المجمع الفاتيكانيّ الثّاني، موضحًا أنّ الارتداد الّذي منحنا إيّاه المجمع هو مساعدتنا على فهم الإنجيل بصورة أفضل، وعلى جعله آنيًّا وفاعلاً في هذه المرحلة التّاريخيّة. وذكّر البابا بأنّ الهرطقة الحقيقيّة لا تقتصر على التّبشير بإنجيل آخر، كما يقول القدّيس بولس، إنّما تتمثّل أيضًا بالعدول عن ترجمة الإنجيل إلى اللّغات والأنماط الرّاهنة. وأشار فرنسيس إلى أنّ مشكلة الإنسان الكبيرة هي عندما يضع ثقته في نفسه، في استراتيجيّاته ومشاريعه الخاصّة. فيأتي الفشل ليذكّرنا بضرورة وضع ثقتنا بالرّبّ وحده. كما أنّ إخفاقات الكنيسة تذكّرها بوضع المسيح في المحور.

هذا ثمّ أكّد البابا أنّه لا يكفي الإبلاغ عن الشّرّ الموجود في وسطنا إذ لا بدّ من العمل على الارتداد إزاءه، وبهذه الطّريقة يتحقّق التّبدّل الّذي يحرّرنا من منطق الشّرّ. وهنا لا بدّ من السّهر. فعندما نتغلّب على الشّرّ يبتعد عنّا لكن من السّذاجة أن نعتقد أنّه لن يعود، لأنّه يأتي مجدّدًا بحلّة جديدة. وثمّة حاجة إلى التّعرّف إليه والكشف عنه.

مضى البابا إلى القول إنّ الرّبّ يسوع روى العديد من الأمثال في الإنجيل، ومن بينها مثل الابن الضّالّ، ولفت إلى أنّ المثل يتحدّث أيضًا عن الابن البكر الّذي لم يكن ضالّاً، فهو لم يكن سعيدًا مع أنّه كان في بيت أبيه. وأضاف أنّه قد نشعر أنّنا كالابن الضّالّ، الّذي ابتعد عن أبيه، وقد ارتكبنا خطايا أذلّتنا، لكن لا بدّ من التّنبّه من وجودنا في بيتنا، في نطاق خدمة الكرسيّ الرّسوليّ، وهذا الأمر قد يُشعرنا أنّنا بأمان، وأنّنا لسنا بحاجة إلى الارتداد.

تابع البابا خطابه إلى أعضاء الكوريا الرومانية متناولاً قضيّة السّلام، وذكّر بأنّ النّبيّ أشعياء يصف المسيح بأمير السّلام. وقال إنّنا نشعر اليوم وأكثر من أيّ وقت مضى بالرّغبة في تحقيق السّلام، لافتًا إلى أنّه يفكّر بأوكرانيا الجريحة، وبالعديد من الصّراعات الدّائرة حول العالم. وقال إنّ الحرب والعنف هما ضرب من الفشل، محذّرًا من مغبّة أن تساهم الأديان في تغذية الصّراعات، لأنّ الإنجيل هو دائمًا إنجيل السّلام، ولا يمكن أن توصف حرب بالمقدّسة باسم أيّ إله كان. وأضاف البابا أنّه حيث يسود الموت والانقسام والصّراع يمكننا أن نرى المسيح المصلوب، داعيًا الجميع إلى توجيه فكرهم نحو الأشخاص المتألّمين.

هذا ثمّ شدّد البابا فرنسيس على أنّ ثقافة السّلام لا تُبنى فقط بين الشّعوب والأمم، إذ لا بدّ أن تبدأ من قلب كلّ واحد منّا. وأكّد أنّه إزاء الحرب والعنف ينبغي أن نساهم في تحقيق السّلام من خلال استئصال الحقد والضّغينة من القلوب. وشجّع فرنسيس الحاضرين على التّساؤل حول ما إذا كانت توجد مرارة في قلوبهم مذكّرًا بأنّ القدّيس بولس الرّسول يقول إنّ أعمال الخير والرّحمة والمغفرة هي الدّواء الكفيل بتحقيق السّلام. ولفت فرنسيس إلى أنّ العنف لا يقتصر على استخدام السّلاح، لأنّ هناك العنف اللّفظيّ والنّفسيّ أيضًا، وسوء استخدام السّلطة. وقال: لنلقِ هذه الأسلحة كلّها أمام أمير السّلام الآتي إلى هذا العالم.

وتناول البابا بعدها موضوع الرّحمة، موضحًا أنّ المسألة تتطلّب الاعتراف بمحدوديّة الآخرين، وهذا الأمر ينطبق على المؤسّسات وعلى الكنيسة أيضًا، لأنّه لا توجد كنيسة طاهرة للأشخاص الطّاهرين، والكتاب المقدّس يحدّثنا عن إخفاقات أشخاص كثيرين نعتبرهم اليوم قدّيسين. أمّا المغفرة فهي تعني أن نمنح الشّخص الآخر فرصة إضافيّة، وهذا ما يفعله الله معنا، إنّه يغفر لنا ويساعدنا على الوقوف مجدّدًا، وهذا ما يجب أن نفعله مع الآخرين.

ختم الحبر الأعظم خطابه قائلاً إنّ كلّ حرب، وكي تنتهي، تحتاج إلى المغفرة وإلّا تحوّلت العدالة إلى انتقام، واعتُبرت المحبّة شكلاً من الضّعف. وذكّر فرنسيس بأنّ الله صار طفلاً، وهذا الطّفل صار رجلاً وعُلّق على الصّليب ومن خلال ضعفه هذا تجلّت قدرة الله. وأمل البابا أن نحصل في عيد الميلاد هذا على ثلاث هدايا هي الامتنان والارتداد والسّلام."