الفاتيكان
07 أيار 2025, 12:30

الإنتخاب البابويّ واللّاتينيّة

تيلي لوميار/ نورسات
ترافق اللّغة اللّاتينيّة الكونكلاف، منذ دخول الكرادلة إلى السّيسكتينا لغاية إعلان اسم البابا الجديد على شرفة بازيليك القدّيس بطرس.

وإليكم في السّطور التّالية، شرح لكلّ العبارات اللّاتينيّة الّتي ستُستخدم خلال هذا الاستحقاق، بحسب ما نشر موقع "فاتيكان نيوز":

"في حين تُوفَّر التّرجمة الفوريّة خلال الاجتماعات العامّة للكرادلة المكلّفين بإدارة شؤون الكنيسة في فترة "الكرسيّ الرّسوليّ الشّاغر"، تعود اللّغة اللّاتينيّة لتفرض حضورها بقوّة داخل كابلة السيكستينا منذ لحظة إعلان الـ "Extra omnes" أيّ "ليخرج الجميع" حتّى إعلان الـ "Habemus Papam" أيّ "لدينا بابا"، بصفتها اللّغة الرّسميّة للكنيسة الكاثوليكيّة. في القصر الرّسوليّ، يُجرى طقس دخول الكرادلة إلى الكونكلاف بدقّة طقسيّة استثنائيّة: يسير الكرادلة في موكب مهيب من كابلة القدّيس بولس إلى كابلة السيكستينا، على أنغام طلبة جميع القدّيسين ثمّ ترنيمة "تعال أيّها الخالق الرّوح"، يليها قسم كلّ كاردينال على الإنجيل، قبل أن يُطلب من غير المخوّلين مغادرة المكان الّذي سيُغلق بالأقفال. جميع هذه اللّحظات تُدار بصيغ لاتينيّة منصوص عليها في الـ "Ordo Rituum Conclavis"، أيّ "ترتيب طقوس الكونكلاف".

"هذه المصطلحات نشأت تاريخيًّا واستخدمت أصلًا في اللّغة اللّاتينيّة، وتمّ الحفاظ عليها عبر القرون لتنظيم هذه اللّحظات الحاسمة في حياة الكنيسة بدقّة"، يقول الأب دافيدي بيراس، أحد كتّاب دائرة الرّسائل اللّاتينيّة في الفاتيكان. إنَّ صيغة الـ "Extra omnes"، الّتي سيعلنها رئيس الاحتفالات اللّيتورجيّة البابويّة، رئيس الأساقفة دييغو رافيلي، عصر السّابع من أيّار مايو بعد أداء آخر الكرادلة قسمهم، هي الأمر الرّسميّ لكلّ من لا علاقة له بالكونكلاف بأن يغادر، إيذانًا ببدء عمليّة انتخاب سرّيّة للبابا. "إنّها ببساطة جارّ ومجرور يتبعان فعل أمر، يشير إلى أنّ على جميع غير المخوّلين مغادرة المكان الّذي سيُغلق"، يوضح الأب بيراس. "في الماضي، كانت تُستخدم هذه العبارة في افتتاحيّات الكونسيستوار السّرّيّ والمجالس الكنسيّة، للدّعوة إلى إخلاء المكان من غير المعنيّين".

حتّى قسيمة التّصويت الّتي يتمُّ استعمالها داخل كابلة السيكستينا، وِفقًا لما ينصّ عليه الدّستور الرّسوليّ "Universi Dominici Gregis"، يجب أن تتضمّن في أعلاها عبارة لاتينيّة تقول : " Eligo in Summum Pontificem "، "أنا أنتخب الحبر الأعظم"، وتُترك المساحة السّفلى لكتابة اسم المرشّح. وعندما يتبيّن من فرز الأصوات أنّ أحد المرشّحين قد حصل على ثلثي الأصوات، يُعتبر انتخابه قانونيّ. عندها، يسأل عميد الكرادلة أو أقدمهم رتبة وسنًّا، بصيغة لاتينيّة: " Acceptasne electionem de te canonice factam in Summum Pontificem?" (هل تقبل بالانتخاب القانونيّ لك حبرًا أعظم؟)، فإن أجاب بالإيجاب، يُسأل مجدّدّا: " Quonomine vis vocari?"، (بأيّ اسم ترغب أن تُدعى؟)، وفي هذا الجواب يُعلن الاسم البابويّ الجديد.

بعد ذلك، يتوجّه الكاردينال الأوّل بين الشّمامسة– وهو في هذا الكونكلاف الكاردينال دومينيك مامبرتي– إلى شرفة قاعة البركات في بازيليك القدّيس بطرس، ليعلن وفقًا للمادّة ٧٤ من الـ "Ordo Rituum Conclavis"، انتخاب البابا الجديد واسمه، والّذي سيمنح بدوره البركة الرّسوليّة "Urbi et Orbi"، أيّ "لمدينة روما والعالم". ويشرح الأب بيراس أنّ النّصّ اللّاتينيّ لما يُعرف بعبارة الـ "Habemus Papam" هو مستلهم جزئيًّا من الفصل الثّاني من إنجيل لوقا، حيث يبشّر الملاك الرّعاة بميلاد المسيح. ومن المؤكّد أنّ هذه الصّيغة كانت معتمدة قبل عام ١٤٨٤، أيّ قبل انتخاب جيوفاني باتيستا تشيبو، الّذي اتّخذ اسم إينوشنسيوس الثّامن". "لكن يُرجّح أنّ هذه الصّيغة تعود فعليًّا إلى انتخاب البابا مارتينوس الخامس عام ١٤١٧، بعد فترة مضطربة شهدت وجود ثلاثة مطالبين بالكرسيّ البابويّ بسبب تعقيدات مجمع كونستانزا"، يضيف الأب بيراس. "من هنا، كان الإعلان آنذاك يحمل في طيّاته ما يشبه الصّرخة المفعمة بالارتياح: أخيرًا، أصبح لنا بابا... واحد فقط!".

إنَّ الصّيغة الكاملة للإعلان الرّسميّ لانتخاب الحبر الأعظم تتضمّن الكلمات اللّاتينيّة التّالية: " Annuntio vobis gaudium magnum: habemus Papam! Eminentissimum ac Reverendissimum Dominum, Dominum " ويُذكر هنا اسم المنتخب باللّاتينيّة، " Sanctae Romanae EcclesiaeCardinalem" ويُذكر هنا اللّقب أو اسم العائلة بدون ترجمته، "qui sibi nomen imposuit" ثمّ يُعلن الاسم البابويّ متبوعًا، إن وُجد، بالرّقم التّرتيبيّ. وتُترجم هذه الصّيغة إلى اللّغة العربيّة كما يلي: "أُعلن لكم فرحًا عظيمًا: لدينا بابا! هو صاحب السّموّ الكرديناليّ الجليل الموقّر، السّيّد...، كردينال الكنيسة الرّومانيّة المقدّسة...، الّذي اختار لنفسه الاسم...". لكنّ استخدام الحالة الإعرابيّة اللّاتينيّة لاسم البابا المنتخب في هذا الإعلان ليس موحّدًا ولا يخضع لقانون قاطع.

ويوضح الأب دافيدي بيراس، "إذا نظرنا إلى القرن الماضي والحاليّ، نجد أنّ إعلان الاسم البابويّ الجديد تمّ باستخدام حالة النّصب (accusativo) في ثلاث مناسبات على الأقلّ: عند انتخاب البابا بيوس الثّاني عشر، والبابا بولس السّادس، والبابا فرنسيس. فاستُخدمت الأشكال: Pium، Paulum، Franciscum. "أمّا في أربع مناسبات أخرى – وهي انتخاب يوحنّا الثّالث والعشرين، ويوحنّا بولس الأوّل، ويوحنّا بولس الثّاني، بندكتس السّادس عشر – فقد استخدم الكردينال حالة الإضافة أيّ الـ (genitivo epesegetico) فجاءت الأسماء على الشّكل التّالي : Ioannis، Ioannis Pauli، Benedicti. ويتابع: "إذا عدنا إلى القرن التّاسع عشر، نجد أنّ اسم البابا كان يُعلن أحيانًا بصيغة الرّفع (nominativo) كما حدث عند انتخاب لاوون الثّالث عشر وبيوس التّاسع، فجاء الاسم: Leo، و Pius  وهي صيغة استخدمها أيضًا بروتودياكونات في القرون السّابقة. إذًا، نحن أمام تنوّع مشروع في الصّيغ، كلّها صحيحة من النّاحية النّحويّة، وإن كان بعض المتخصّصين يفضّلون النّصب لدقتّه الأسلوبيّة".

ويختم الأب بيراس بتوضيح بشأن الرّقم التّرتيبيّ الّذي يُضاف أحيانًا إلى الاسم البابويّ: "إنَّ التّقليد يقتضي أن يُذكر الرّقم فقط إذا لم يكن البابا هو الأوّل الّذي يحمل الاسم المختار. لكن حتّى في هذا المجال شهدنا استثناءات: فمثلًا، في ١٩٣٩، امتنع البروتودياكون الكردينال كاميلو كاتشّا دومينيوني عن ذِكر الرّقم عند إعلان انتخاب بيوس الثّاني عشر، فيما أضاف الكردينال بيريكليه فيليشي سنة ١٩٧٨ الرّقم primi عند إعلان يوحنّا بولس الأوّل (Ioannis Pauli primi)، لكنّه امتنع عن إضافته عند إعلان يوحنّا بولس الثّاني". إنّها اختيارات لحظيّة، تُتّخذ في دقائق مصيريّة، لكنّها تترك بصمتها في ذاكرة التّاريخ، وتتحوّل إلى رموز محفورة في وجدان المؤمنين وغير المؤمنين على حدّ سواء. لحظات تتجلّى فيها اللّغة اللّاتينيّة لا كأداة تقليديّة، بل كحاضرة نابضة بالحياة في قلب الكنيسة، ببهائها المهيب، وسموّها التّعبيريّ، كما وصفها البابا فرنسيس بأنّها "كنز من الحكمة والفكر"".