البابا: الطّاعة هي مدرسة للحرّيّة في المحبّة
بهذه الكلمات استهلّ البابا لاون الرّابع عشر كلمته مستقبلًا، أمس الخميس، المشاركين في المجامع العامّة لعدد من الجمعيّات والمعاهد الرّهبانيّة، مثل: مرسلات الدّمّ الثّمين، المريمون، رهبان سيّدة الحبل بلا دنس الفرنسيسكان وراهبات القدّيسة أورسولا لسيّدة الحبل بلا دنس.
شخصّيات عديدة توقّف عندها البابا في كلمته، ذاكرًا "بريجيدا موريلو الّتي افتتحت في القرن السّابع عشر أعمالًا لتعزيز المرأة ما أسفر عن ثمار كثيرة في المستقبل، وكان هذا في فترة لم يكن يدرك فيها المجتمع بشكل كافٍ قيمة تنشئة النّساء."
و"القدّيس غاسياري ديل بوفالو والّذي واجه بعد ذلك بقرنين في روما عدم التّعبّد وعدم التّديّن المنتشرَين من خلال نشر التّعبّد لدم يسوع المسيح الثمين."
و"الأب جان بيير كولان الّذي قام بعمل شبيه في فرنسا مستلهمًا من روح التّواضع الّتي طبعت مريم."
وتابع البابا مذكّرًا أيضًا بتأسيس معهد رهبان سيّدة الحبل بلا دنس الفرنسيسكان في القرن العشرين وذلك على خطى القدّيس فرنسيس والقدّيس ماسيمليانو كولبي.
هذا وركّز في كلمته على "ما تركه المؤسّسون والمؤسِّسات من إرث متنوّع يمكننا أن نسلّط الضّوء على بعض جوانبه المشتركة. وأشار- بحسب "فاتيكان نيوز"- "أوّلًا إلى أهمّيّة الحياة المشتركة الّتي تتقاسمونها في الدّعوات الرّهبانيّة كمكان قداسة ومصدر إلهام، شهادة وقوّة في العمل الرّسوليّ. ففي هذه الحياة المشتركة، وحسبما كتب البابا القدّيس يوحنّا بولس الثّاني، تنتقل طاقة الرّوح القدس إلى الجميع في الوقت ذاته.
إنّ الرّوح القدس قد ألهم مَن سبقوهم بالاتّحاد بالأخوات والأخوة الّذين تضعهم العناية الإلهيّة على طريقهم وذلك لأنّ في شركة الصّالحين يتكاثر الخير ويكبر. هكذا كان الأمر في بداية تأسيس الجمعيّات والمعاهد وعبر القرون وهكذا يستمرّ."
ثمّ سلّط الضّوء على القيمة الأساسيّة في التّكرّس الرّهبانيّ للطّاعة كفعل محبّة. وقال: "إنّ يسوع قد أعطانا مثلًا بعلاقته مع الآب حين قال "لا أَتَوَخَّى مَشيئَتي بل مَشيئَةَ الَّذي أَرسَلَني" (٥، ٣٠)."
وذكّر بتشديد القدّيس أغسطينوس بقوّة على العلاقة الوثيقة في الحياة المسيحيّة بين الطّاعة والمحبّة الحقيقيّة حين وصف الطّاعة بابنة المحبّة، وقال: "إنّ اليوم يُنظر إلى الطّاعة وكأنّها تخلّي عن الحرّيّة، ولكن ليس الأمر هكذا، فالطّاعة في أعمق معانيها كإصغاء فعليّ وسخيّ للآخر هي فعل محبّة كبير، وحين تعاش بإيمان ترسم طريق عطاء منيرًا يمكنه أن يساعد بشكل كبير العالم الّذي نعيش فيه على إعادة اكتشاف قيمة التّضحية والقدرة على إقامة علاقات دائمة، والنّضج في الكون معًا بشكل مترسّخ في الأمانة. الطّاعة هي مدرسة للحرّيّة في المحبّة."
النّقطة التّالية هي "التّنبّه إلى علامات الأزمنة"، وقال: "بدون هذه النّظرة المنفتحة والمهتمّة بالاحتياجات الحقيقيّة للأخوة لم يكن لأيّ من جمعيّاتنا أبدًا أن تولد. إنّ مؤسّسي ومؤسِّسات جمعيّاتكم ومعاهدكم كانوا أشخاصًا قادرين على المراقبة والتّقييم والمحبّة مقدّمين التّضحيات من أجل خدمة الأخوة في احتياجاتهم الفعليّة، وذلك من خلال القدرة على التّعرّف على صوت الله في فقر القريب. من الهامّ من وجهة النّظر هذه العمل في تذكُّر حيّ لهذه البدايات الشّجاعة، وذلك، وحسبما كتب البابا فرنسيس في الرّسالة الّتي وجّهها إلى جميع المكرّسين في تشرين الثّاني نوفمبر ٢٠١٤ لمناسبة سنة الحياة المكرّسة، لا بمعنى جعل هذه البدايات كالمعالم الأثريّة أو الانطلاق من مجرّد حنين إلى الماضي، بل بمعنى السّير على دروب الأجيال السّابقة لاستنباط الشّرارة المحفّزة والأفكار والمشاريع والقيم الّتي حرّكت هذه الأجيال."
كما تحدّث البابا لاوُن الرابع عشر على إمكانيّة التّعرّف على قدرات لم يتمّ استكشافها بعد لجعلها تثمر في الواقع الحاليّ.
وفي الختام، أكّد البابا لاون الرّابع عشر معرفته بما يقوم به ضيوفه من عمل بشكل يوميّ في مناطق مختلفة من العالم، وتحدّث عن خير غالبًا ما يكون غير معروف لأعين البشر ولكن لا لعينَي الله. وشكر الرّهبان والرّاهبات على هذا العمل ثمّ منحهم البركة مشجّعًا إيّاهم على مواصلة رسالتهم بإيمان وسخاء.