البابا فرنسيس: الّذي لا يريد الحوار لا يريد السّلام
وفي تأمّله، قال برايدا عن لسان البابا: "يحدّثنا الإنجيل عن الدّينونة الأخيرة ويقول لنا إنّها ستكون على المحبّة.
إنَّ المشهد الّذي يقدّمه لنا هو مشهد القاعة الملكيّة، حيث يجلس يسوع، "ابن الإنسان"، على العرش. وقد اجتمعت جميع الشّعوب عند قدميه، ومن بينهم يبرز الّذين باركهم الآب، أصدقاء الملك، ولكن من هم؟ ما الّذي يميّز هؤلاء الأصدقاء في عيون ربّهم؟ وفقًا لمعايير العالم، أصدقاء الملك هم الّذين منحوه الثّروة والسّلطة، والّذين ساعدوه لكي يغزو الأراضي، وينتصر في المعارك، ويصبح عظيمًا بين الملوك الآخرين، وربّما لكي يظهر كنجم في الصّفحات الأولى من الصّحف أو على وسائل التّواصل الاجتماعّي. وعليه أن يقول لهم: "شكرًا لكم، لأنّكم جعلتموني غنيًّا ومشهورًا، ومحسودًا ومُهابًا". هذا بحسب معايير العالم.
لكن بحسب معايير يسوع، الأصدقاء هم غير ذلك: هم الّذين خدموه في الأشخاص الأشدَّ ضعفًا. وذلك لأنّ ابن الإنسان هو ملك مختلف تمامًا، يدعو الفقراء "إخوة"، ويتماهى مع الجائعين والعطاش والغرباء والمرضى والمسجونين، ويقول: "كُلَّما صَنعتُم شَيئًا مِن ذلك لِواحِدٍ مِن إِخوتي هؤُلاءِ الصِّغار، فلي قد صَنَعتُموه". إنّه ملك حسّاس لمشكلة الجوع، والحاجة إلى منزل، والمرض والسّجن: جميعها للأسف وقائع آنيّة جدًّا. إنّ الجياع والمشرّدين، يزدحمون في شوارعنا: ونلتقي بهم كلّ يوم. وكذلك فيما يتعلّق بالمرض والسّجن، جميعًا نعرف ما معنى أن تكون مريضًا، وأن ترتكب الأخطاء وتدفع ثمن العواقب.
يقول لنا إنجيل اليوم إنّنا نكون مباركين إذا أجبنا على أشكال الفقر هذه بالحبّ والخدمة: ليس بالنّظر إلى الجهة الأخرى، وإنّما من خلال إعطاء الطّعام والشّراب واللّبس والاستضافة والزّيارة، بكلمة واحدة، من خلال الاقتراب مِن مَن هُم في العوز. وذلك لأنّ يسوع، ملكنا الّذي يدعو نفسه ابن الإنسان، لديه أخواته وإخوته المفضّلين بين النّساء والرّجال الأكثر هشاشة. و"قاعته الملكيّة" هي مُعدَّة حيث يكون هناك من يتألّم ويحتاج إلى المساعدة. هذا هو "بلاط" ملكنا، والأسلوب الّذي يدعى لكي يتميّز به أصدقاؤه، الّذين لديهم يسوع ربًّا، هو أسلوبه نفسه: الرّأفة والرّحمة والحنان. هي تسمو بالقلب وتنزل مثل الزّيت على جراح من جرحتهم الحياة.
لذا، أيّها الإخوة والأخوات، لنسأل أنفسنا: هل نؤمن بأنّ الملوكيّة الحقيقيّة تكمن في الرّحمة؟ هل نؤمن بقوّة الحبّ؟ هل نؤمن أنّ المحبّة هي التّعبير الأكثر ملوكيّة للإنسان وهي حاجة لا يمكن للمسيحيّ أن يستغني عنها؟ وأخيرًا، هناك سؤال محدّد: هل أنا صديق للملك، أيّ هل أشعر بأنّني أشارك شخصيًّا في احتياجات الأشخاص المتألِّمين الّذين ألتقي بهم على دربي؟ لتساعدنا العذراء مريم، سلطانة السّماء والأرض، لكي نحبّ يسوع ملكنا في إخوته الصّغار".
بعد تلاوة صلاة التّبشير الملائكيّ، حيّا البابا فرنسيس المؤمنين المحتشدين في ساحة القدّيس بطرس وقال بحسب "فاتيكان نيوز": "يُحتفل اليوم في الكنائس الخاصّة باليوم العالميّ الثّامن والثّلاثين للشّباب، حول موضوع "بالرّجاء فرحين". أبارك جميع الّذين يشاركون في المبادرات الّتي يتمّ تنظيمها في الأبرشيّات، في تتابع لليوم العالميّ للشّباب في لشبونة. أعانق الشّباب، حاضر العالم ومستقبله، وأشجّعهم لكي يكونوا روّادًا فرحين لحياة الكنيسة.
لقد أحيت أوكرانيا المعذّبة بالأمس ذكرى الهولودومور، وهي الإبادة الجماعيّة الّتي ارتكبها النّظام السّوفياتي والّتي تسبّبت، لتسعين سنة خلت، في وفاة ملايين الأشخاص من الجوع. وهذا الجرح، بدلاً من أن يلتئم، قد أصبح أكثر إيلامًا بسبب فظائع الحرب الّتي لا تزال تجعل هذا الشّعب العزيز يتألّم. لذلك، ومن أجل جميع الشّعوب الّتي تمزّقها الصّراعات، نواصل الصّلاة بلا كلل، لأنّ الصّلاة هي قوّة السّلام الّتي تكسر دوّامة الكراهيّة، وتكسر حلقة الانتقام وتفتح مسارات مصالحة غير متوقّعة. واليوم نحمد الله لأنّه تمّ أخيرًا التّوصّل إلى هدنة بين إسرائيل وفلسطين وتمّ إطلاق سراح بعض الرّهائن. لنصلِّ لكي يتمَّ إطلاق سراح الجميع في أسرع وقت ممكن- ولنفكر في عائلاتهم!– ولكي تدخل المزيد من المساعدات الإنسانيّة إلى غزّة وأن يتمَّ الإصرار على الحوار: لأنّه الدّرب الوحيد لتحقيق السّلام. إنّ الّذي لا يريد الحوار لا يريد السّلام.
وبالإضافة إلى الحرب، إنّ عالمنا مهدّد بخطر كبير آخر، وهو الخطر المناخيّ، الّذي يعرّض للخطر الحياة على الأرض، ولاسيّما أجيال المستقبل. وهذا الأمر يتعارض مع مشروع الله الّذي خلق كلّ شيء للحياة. ولذلك، سأسافر في نهاية الأسبوع المقبل إلى الإمارات العربيّة المتّحدة لكي أتحدّث يوم السّبت في مؤتمر الأمم المتّحدة المعنيّ بتغيّر المناخ (COP28) في دبي. أشكر جميع الّذين سيرافقون هذه الرّحلة بالصّلاة والالتزام بحماية بيتنا المشترك."