الفاتيكان
13 حزيران 2022, 07:50

البابا فرنسيس: في الحياة اليوميّة، هل أنا أيضًا انعكاس للثّالوث؟

تيلي لوميار/ نورسات
في عيد الثّالوث الأقدس، أطلّ البابا فرنسيس على المؤمنين المحتشدين في ساحة القدّيس بطرس في الفاتيكان ليصلّي معهم صلاة التّبشير الملائكيّ. وقبل الصّلاة توجّه الأب الأقدس إليهم بكلمة جاء فيها بحسب "فاتيكان نيوز":

"اليوم، في عيد الثّالوث الأقدس، يقدّم لنا يسوع في الإنجيل الأقنومين الإلهيّين الآخرين، الآب والرّوح القدس. يقول عن الرّوح: "لا يَتَكَلَّمَ مِن عِندِه بل يَتَكلَّمُ بِما يَسمَع ويُخبِرُكم". ثمّ يقول عن الآب: "جَميعُ ما هو لِلآب فهُو لي". نلاحظ أنّ الرّوح القدس يتكلّم، لكن ليس من عنده: هو يعلن يسوع ويُظهر الآب. وأنّ الآب، الّذي يملك كلّ شيء، لأنّه أصل كلّ شيء، يعطي الابن كلّ ما يملك: لا يحتفظ بشيء لنفسه ويعطي ذاته بالكامل للابن.

والآن لننظر إلى ذواتنا، إلى ما نتكلّم عنه وما نملكه. عندما نتكلّم، نريد على الدّوام أن يقول النّاس عنّا أمورًا جيّدة وغالبًا ما نتكلّم فقط عن ذواتنا وعمّا نفعله. يا له من فرق مقارنة بالرّوح القدس الّذي يتكلّم ويعلن الآخرين! وحول ما نملكه، وكم نحن غيورون عليه وكم هو صعب علينا أن نتقاسمه مع الآخرين، حتّى مع الّذين يفتقرون إلى الضّروريّ! إنَّ الكلام سهل، ولكن التّطبيق هو صعب جدًّا. لذلك فالاحتفال بالثّالوث الأقدس ليس تمرينًا لاهوتيًّا بقدر ما هو ثورة في أسلوب حياتنا. إنَّ الله، الّذي يعيش فيه كلّ شخص من أجل الآخر، وليس لنفسه، يدفعنا لكي نعيش مع الآخرين ومن أجل الآخرين. واليوم يمكننا أن نسأل أنفسنا ما إذا كانت حياتنا تعكس الله الّذي نؤمن به: أنا، الّذي أُعلن إيماني بالله الآب والإبن والرّوح القدس، هل أؤمن حقًّا أنّه لكي أعيش أنا بحاجة إلى الآخرين، وأنّني بحاجة لأن أُعطي نفسي للآخرين، وأنّني بحاجة إلى خدمة الآخرين؟ هل أقول ذلك بالكلمات أم في الحياة؟

هكذا يجب أن نُظهر الله الثّالوث والفريد، أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، بهذه الطّريقة، بالأفعال أوّلاً قبل الأقوال. إنَّ الله، الّذي هو مُبدع الحياة، لا يُنقل من خلال الكتب وإنّما من خلال شهادة الحياة. هو، كما كتب يوحنّا الإنجيليّ "محبّة"، ويظهر نفسه من خلال المحبّة. لنفكّر في الأشخاص الطّيّبين، الأسخياء، والودعاء الّذين التقينا بهم: من خلال تذكّرنا لطريقة تفكيرهم وتصرّفهم، يمكننا أن نحصل على انعكاس صغير لله-المحبّة. وماذا يعني الحبّ؟ ليس فقط أن نريد خير الآخر ونصنع الخير وإنّما أوّلاً وقبل كلّ شيء، قبول الآخرين، وإفساح المجال للآخرين، وإعطاء مساحة للآخرين.

لكي نفهم ذلك بشكل أفضل، لنفكّر في أسماء الأقانيم الإلهيّة، الّتي نلفظها في كلّ مرّة نرسم فيها علامة الصّليب: في كلّ إسم يوجد حضور للآخر. فالآب، على سبيل المثال، لن يكون كذلك بدون الابن؛ هكذا أيضًا لا يمكننا أن نفكِّر في الابن بمفرده، وإنّما وعلى الدّوام كابن للآب. والرّوح القدس بدوره هو روح الآب والابن. بإختصار، يعلّمنا الثّالوث أنّه لا يمكننا أن نكون أبدًا بدون الآخر. نحن لسنا جزرًا، نحن في العالم لكي نعيش على صورة الله: منفتحون، بحاجة إلى الآخرين وبحاجة إلى أن نساعد الآخرين. لذلك، لنسأل أنفسنا هذا السّؤال الأخير: في الحياة اليوميّة، هل أنا أيضًا انعكاس للثّالوث؟ هل تبقى علامة الصّليب الّتي أرسمها يوميًّا مجرّد علامة أم أنّها تلهم أسلوبي في الكلام واللّقاء والإجابة والحكم والمغفرة؟

لتساعدنا العذراء مريم ابنة الآب وأم الإبن وعروسة الرّوح القدس لكي نقبل في حياتنا سرِّ الله- المحبّة ونشهد له."

بعد تلاوة صلاة التّبشير الملائكيّ، حيا البابا فرنسيس المؤمنين المحتشدين في ساحة القدّيس بطرس وقال: "أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، بالأمس في بريسلاو، في بولندا، تمَّ إعلان تطويب الأخت باسكوالينا يان وتسعة راهبات شهيدات من جمعيّة راهبات القدّيسة إليزابيتا، قُتلنَ في نهاية الحرب العالميّة الثّانية في سياق معادٍ للإيمان المسيحيّ. هذه الرّاهبات العشر، على الرّغم من إدراكهنّ للخطر الّذي كُنَّ سيتعرّضن له، بقين بقرب المسنّين والمرضى الذين كُنَّ يعتنينَ بهم. ليساعدنا جميعًا مثالهنَّ في الأمانة للمسيح، ولاسيّما المسيحيّين المضطهدين في مختلف أنحاء العالم، لكي نشهد للإنجيل بشجاعة.

والآن أرغب في أن أتوجّه إلى شعب وسلطات جمهوريّة الكونغو الدّيمقراطيّة وجنوب السّودان. أيّها الأعزّاء، مع الأسف الشّديد، بسبب مشاكل في السّاق، اضطررت إلى تأجيل زيارتي إلى بلدانكم، الّتي كانت مُقرّرة في الأيّام الأولى من شهر تمّوز يوليو. أشعر حقًّا بأسف شديد، لأنّني اضطررت إلى تأجيل هذه الزّيارة الّتي تهمُّني كثيرًا. أعتذر منكم على ذلك. ولنصلِّ معًا لكي أتمكّن بعون الله والرّعاية الطّبّيّة من الحضور بينكم في أسرع وقت ممكن. لنتحلّى بالثّقة!

اليوم اليوم العالميّ لمكافحة عمالة الأطفال. لنلتزم جميعًا من أجل القضاء على هذه الآفة لكي لا يُحرم أيّ فتى أو فتاة من حقوقهما الأساسيّة ويُجبران على العمل. إنّ واقع استغلال القاصرين في العمل هو واقع مأساويّ يسائلنا جميعًا.

إنّ فكرة السّكّان الأوكرانيّين الّذين تعذّبهم الحرب لا تزال حيّة في قلبي. لا نسمحنَّ لمرور الوقت بأن يهدّئ من آلامنا وقلقنا على هؤلاء الأشخاص الّذين يتعذّبون.  من فضلكم لا نعتادنَّ على هذا الواقع المأساويّ! وإنّما لنحمله على الدّوام في قلوبنا. لنصلِّ ونكافح من أجل السّلام".