البابا فرنسيس في المقابلة العامّة: كلمة يسوع في الإنجيل هي حيّة وتصل إلى قلبي
"نتابع تعاليمنا حول القدّاس الإلهيّ وكنّا قد وصلنا إلى القراءات. إنَّ الحوار بين الله وشعبه الّذي تنمّيه ليتورجيّة الكلمة في القدّاس يبلغ ذروته في إعلان الإنجيل. يسبقه نشيد الـ"هللويا"– أو نشيد آخر في ومن الصّوم– تَقبَل الجماعة وتحيّي من خلاله الرّبّ الّذي سيتكلّم في الإنجيل. وكما تنير أسرار المسيح الوحيّ البيبليّ بأسره هكذا يشكّل الإنجيلُ في ليتورجيّة الكلمة النّورَ لفهم معنى النّصوص البيبليّة الّتي تسبقه إن كان من العهد القديم أو من العهد الجديد. في الواقع إنّ المسيح هو محور وملء الكتاب المقدّس والاحتفال اللّيتورجيّ.
لذلك تميِّز اللّيتورجيّة بين الإنجيل والقراءات الأخرى وتحيطه بإكرام خاصّ. في الواقع، تُحفظ قراءته للكاهن الّذي يُقَبِّل الكتاب بعد انتهاء القراءة؛ وتقف الجماعة للإصغاء ويرسم كلّ شخص إشارة الصّليب على جبينه وعلى فمه وعلى صدره؛ ويُكرِّم البخور والشّموع المسيح الّذي ومن خلال قراءة الإنجيل يردّد صدى كلمته الفعّالة. بهذه العلامات تعترف الجماعة بحضور المسيح الّذي يوجّه إليها "البُشرى السّارّة" الّتي تُبدِّل وتحوِّل. إنّه خطاب مباشر كما تشهد الهتافات الّتي نجيب بواسطتها على الإعلان: "المجدُ لك يا ربّ" و"التّسبيحُ لك، أيّها المَسيح".
إذًا نحن لا نقرأ الإنجيل في القدّاس لنعرف كيف جرت الأمور ولكنّنا نصغي إلى الإنجيل لنتيقَّن لما صنعه يسوع وقاله في الماضي؛ وتلك الكلمة هي حيّة؛ نعم كلمة يسوع في الإنجيل هي حيّة وتصل إلى قلبي، ولذلك ينبغي أن نصغي إلى الإنجيل بقلب مفتوح لأنّه كلمة حيّة. يكتب القدّيس أغوسطينوس: "فم المسيح هو الإنجيل. هو يملك في السّماء ولكنّه لا زال يتكلّم على الأرض". إن كان صحيح أنَّ يسوع لا زال يعلن الإنجيل في اللّيتورجيّة فبمشاركتنا في القدّاس الإلهيّ علينا أن نعطيه جوابًا، وبالتّالي نحن نصغي إلى الإنجيل وعلينا أن نعطي جوابًا من خلال حياتنا.
لكي يوصِل رسالته يستعين المسيح أيضًا بكلمة الكاهن الّذي يلقي بعد الإنجيل العظة الّتي يوصي بها المجمع الفاتيكانيّ الثّاني كجزء من اللّيتورجيّة؛ فالعظة ليست خطابًا ولا محاضرة أو درسًا؛ ما هي العظة إذًا؟ إنّها استعادة للحوار الّذي بدأ بين الرّبّ وشعبه لكي يجد تمامه في الحياة. إنَّ شرح الإنجيل الحقيقيّ هو حياتنا المقدّسة! وكلمة الرّبّ تنهي مسيرتها بتجسُّدها فينا، إذ تُترجم إلى أعمال كما حصل مع مريم والقدّيسين. هل تذكرون ما قلته في التّعليم السّابق إنَّ كلمة الله تسير في داخلنا، نسمعها بواسطة أذنينا ولكنّها تنتقل إلى القلب ومنه إلى اليدَين أيّ إلى الأعمال الصّالحة. وهكذا العظة أيضًا تتبع كلمة الله وتسير على دربها لتساعدنا لكي تصل كلمة الله إلى أيدينا.
لقد عالجت موضوع العظة في الإرشاد الرّسوليّ "فرح الإنجيل" إذ ذكِّرت أنّ الإطار اللّيتورجيّ يتطلّب أن توجّهَ العظةُ الجماعة والواعظ أيضًا نحو شركة مع المسيح في الإفخارستيّا الّتي تحوِّل الحياة. على من يُلقي العظة– الكاهن أو الشّمّاس أو الأسقف– أن يقوم بخدمته جيِّدًا، مقدِّمًا خدمة حقيقيّة للّذين يشاركون في القدّاس وإنّما ينبغي على الّذين يُصغون إليه أن يقوموا بدورهم. أوّلاً من خلال الانتباه مُتَّخذين الاستعدادات الدّاخليّة بدون افتراضات شخصيّة عالمين أنَّ لكلّ واعظ ميزاته ومحدوديّته. على من يلقي العظة أن يكون مقتضبًا لأنّه لا يتكلّم عن أموره بل هو يعظ أيّ يعطي صوتًا ليسوع ويعظ كلمة يسوع. وبالتّالي عليه أن يحضّر عظته وأن تكون قصيرة! لقد أخبرني أحد الكهنة أنّه عندما ذهب لزيارة والدَيه قال له أبوه: "هل تعلم أنا سعيد جدًّا لأنّي وجدت مع أصدقائي كنيسة حيث يحتفل الكاهن بالقدّاس الإلهيّ بدون أن يلقي عظة!" كم من مرّة نرى أشخاصًا ينامون خلال العظة أو يتحادثون أو يخرجون ليدخِّنوا... لذلك من فضلكم لتكن عظاتكم قصيرة ومُحضّرة! وكيف تحضّرون عظاتكم أيّها الكهنة والشّمامسة والأساقفة الأعزّاء؟ بواسطة الصّلاة ودراسة كلمة الله ومن خلال ملخَّص واضح وقصير لا يجب أن يتخطّى العشرة دقائق.
أودُّ أن أُذكِّر بأنَّ معرفة الكتاب المقدّس تُعزِّز المشاركة في ليتورجيّة الكلمة. فالّذي لا يقرأ الإنجيل عادة يجد صعوبة في الإصغاء إلى قراءات القدّاس وفهمها. ولنختم يمكننا القول إنّه من خلال الإنجيل والعظة، في ليتورجيّة الكلمة، يحاور الله شعبه الّذي يُصغي إليه بانتباه واحترام وفي الوقت عينه يعترف بحضوره وعمله. وبالتّالي إن أصغينا إلى "البشرى السّارّة" فستُغيِّرنا وتحوِّلنا".