الفاتيكان
08 حزيران 2021, 12:30

البابا فرنسيس: لنأخذ مكاننا المناسب كجيل إصلاح وتجديد

تيلي لوميار/ نورسات
لمناسبة إطلاق عقد الأمم المتّحدة حول استعادة النّظام البيئيّ، وجّه البابا فرنسيس رسالة مصوّرة إلى المشاركين، قرأها أمين سرّ دولة حاضرة الفاتيكان الكاردينال بييترو بارولين، أكّد فيها أنّه "على عاتقنا مسؤوليّة ترك بيت مشترك صالح للسّكن لأطفالنا وللأجيال القادمة"، فقال بحسب "فاتيكان نيوز":

"سنحتفل غدًا بيوم البيئة العالميّ. هذا الاحتفال السّنويّ يشجّعنا لكي نتذكّر أنّ جميع الأمور مرتبطة ببعضها البعض. إنّ الاهتمام الحقيقيّ بالبيئة يحتاج إلى أن يترافق بحبّ صادق لإخوتنا من بني البشر والتزام حازم بحلّ مشاكل المجتمع. ومع ذلك، سيكون لاحتفال الغد أهمّيّة خاصّة، إذ يُصادف في السّنة الّتي يبدأ فيها عقد الأمم المتّحدة لاستعادة النّظام الإيكولوجيّ. يدعونا هذا العقد إلى تقديم التزامات مدّتها عشر سنوات تهدف إلى رعاية بيتنا المشترك من خلال دعم وتوسيع الجهود لمنع ووقف وعكس تدهور النّظم البيئيّة في جميع أنحاء العالم وزيادة الوعي بأهمّيّة استعادة النّظام البيئيّ بشكل ناجح.

نقرأ في الكتاب المقدّس: "اَلسَّمَاوَاتُ تُحَدِّثُ بِمَجدِ اللهِ، والفَلك يُخبِرُ بِعَمَلِ يَدَيهِ. يَوم إلَى يَومٍ يذِيع كَلامًا، وَلَيلٌ إِلَى لَيلٍ يُبدِي عِلمًا. لا قَوْلَ وَلا كَلامَ. لا يُسمَع صَوتهم". جميعنا جزء من عطيّة الخلق هذه. نحن جزء من الطّبيعة، ولسنا منفصلين عنها. وهذا ما يخبرنا به الكتاب المقدّس.

يدعونا الوضع البيئيّ الحاليّ إلى العمل الآن بشكل مُلِحٍّ لكي نصبح أكثر من أيّ وقت مضى وكلاء مسؤولين عن الخليقة ونُصلح الطّبيعة الّتي دمّرناها واستغلّيناها لفترة طويلة جدًّا. وإلّا فإنّنا نجازف بتدمير الأساس الّذي نعتمد عليه. نحن نجازف بالفيضانات والجوع والعواقب الوخيمة على أنفسنا والأجيال القادمة. هذا ما يخبرنا به العديد من العلماء. نحن بحاجة لأن نعتني ببعضنا البعض، وبالأشدَّ ضعفًا بيننا. لأنَّ الاستمرار في طريق الاستغلال والتّدمير هذا- للبشر والطّبيعة- هو أمر غير عادل وغير حكيم. هذا ما يخبرنا به الضّمير المسؤول. تقع على عاتقنا مسؤوليّة ترك بيت مشترك صالح للسّكن لأطفالنا وللأجيال القادمة.

ومع ذلك، عندما ننظر حولنا، ماذا نرى؟ نرى أزمة تؤدّي إلى أزمة. نرى تدمير الطّبيعة، وكذلك جائحة عالميّة تؤدّي إلى موت الملايين من الأشخاص. نرى العواقب غير العادلة لبعض جوانب أنظمتنا الاقتصاديّة الحاليّة والعديد من الأزمات المناخيّة الكارثيّة الّتي تسبّب آثارًا خطيرة على المجتمعات البشريّة وكذلك الانقراض الجماعيّ للأنواع. ومع ذلك، هناك أمل. لدينا الحرّيّة الضّروريّة لكي نحُدَّ التّكنولوجيا ونوجِّهها؛ يمكننا أن نضعها في خدمة نوع آخر من التّقدّم، نوع أكثر صحّة، وأكثر إنسانيّة، واجتماعيّة، وأكثر تكاملاً.

نحن نشهد مشاركة والتزامًا جديدًا من قبل العديد من الدّول والجهات الفاعلة غير الحكوميّة: السّلطات المحلّيّة، والقطاع الخاصّ، والمجتمع المدنيّ، والشّباب... جهود تهدف إلى تعزيز ما يمكن تسميته "الإيكولوجيا المتكاملة"، وهو مفهوم معقّد ومتعدّد الأبعاد: هو يدعو إلى رؤية طويلة المدى؛ ويسلّط الضّوء على عدم قابليّة الفصل بين الاهتمام بالطّبيعة والعدالة للفقراء والالتزام بالمجتمع والسّلام الدّاخليّ. كما يهدف أيضًا إلى استعادة المستويات المختلفة من التّوازن البيئيّ، وتحقيق الانسجام داخل أنفسنا، ومع الآخرين، ومع الطّبيعة وغيرها من الكائنات الحيّة، ومع الله. إنّه يجعل كلّ فرد منّا يدرك مسؤوليّتنا كبشر، تجاه أنفسنا، وتجاه القريب، تجاه الخليقة وتجاه الخالق.

ومع ذلك، فقد تمَّ تحذيرنا من أنّه لم يتبقّ لدينا سوى القليل من الوقت- يقول العلماء السّنوات العشر القادمة، فترة عقد الأمم المتّحدة هذا– لكي نستعيد النّظام البيئيّ، ممّا يعني الاستعادة المتكاملة لعلاقتنا مع الطّبيعة. إنّ "التّحذيرات" العديدة الّتي نواجهها، والّتي يمكننا أن نرى من بينها فيروس الكورونا والاحتباس الحراريّ، تدفعنا إلى اتّخاذ إجراءات عاجلة. آمل أن يساعد مؤتمر الأطراف "COP26" حول تغيّر المناخ، الّذي سيعقد في غلاسكو في تشرين الثّاني نوفمبر المقبل، في تزويدنا بالإجابات الصّحيحة لاستعادة النّظم البيئيّة من خلال عمل مناخيّ مُعزّز ونشر للوعي والضّمير.

نحن مُجبرونَ أيضًا إلى إعادة التّفكير في اقتصاداتنا. نحن بحاجة إلى تفكير أبعد وأعمق في معنى الاقتصاد وأهدافه، ولمراجعة عميقة وبعيدة النّظر لنموذج التّنمية الحاليّ، من أجل تصحيح اختلالاته وانحرافاته. إنَّ تدهور النّظام البيئيّ هو نتيجة واضحة للخلل الاقتصاديّ. وبالتّالي فإنّ استعادة الطّبيعة الّتي دمّرناها تعني، في المقام الأوّل، استعادة أنفسنا. وبينما نرحّب بعقد الأمم المتّحدة لاستعادة النّظام الإيكولوجيّ، لنكن متعاطفين ومبدعين وشجعان. ولنأخذ مكاننا المناسب كجيل إصلاح وتجديد."