البطريرك الراعي يدين بشدّة مقتل الراهبات ويعزي أهلهم وجمعية الراهبات مرسلات المحبة
أراد الربّ يسوع أن يبادر المخلَّع بمغفرة خطاياه، للدلالة أنّه أتى ليشفي الإنسان من حالة الخطيئة التي تفعل في النفس ما يفعل الشلل في الجسم. عندما شفى المخلّع من شلل جسده بكلمة واحدة "قمْ احملْ سريرَك واذهب إلى بيتك" (الآية 11)، أعاد الحياة إلى عروق جسده، وكأنّه خلقه من جديد. هكذا فعل بنفسه، عندما قال له يسوع "يا ابني مغفورةٌ لك خطاياك" (الآية 5). فقد أحياها مُعيدًا إليها البرارة وبهاء صورة الله التي تشوّهت وتعطّلت بالخطايا. هكذا يفعل مع كلّ تائب عن خطاياه، يلتمس مغفرة الخطايا من الله، بواسطة الكاهن المؤتمن على سلطان الحلّ والربط (يو 21، 20). فعندما يحلّه من خطاياه بهذه السلطان الإلهي، ينال التائبُ الحياة الإلهية وبرارة نفسه، وكأنه مولود من جديد.
يسعدنا أن نحتفل معكم بهذه الليتورجيا الإلهية. فنرحّب بكم جميعًا وبخاصّة بأعضاء اللائحة المرشَّحة لتشكيل المجلس التنفيذي للرابطة المارونية، برئاسة النقيب المحامي انطوان اقليموس، التي أُعدَّت بالتوافق والتعاون بين الجميع.
ونرحّب أيضًا برابطة كاريتاس- لبنان، بسيادة المشرف عليها من قبل مجلس البطاركة والاساقفة المطران ميشال عون، وسيادة المطران سمير مظلوم رئيس اللجنة الاسقفية لاعادة النظر في قوانين كاريتاس، كما نحيي سيادة المطران جورج ممثل صاحب الغبطة بطريرك الارمن الكاثوليك غريغوار عشرين. نحيي رئيس رابطة كاريتاس لبنان الأب بول كرم ومرشدها الارشمندريت جورج نجار الراهب الشويري، وكل من حضر من الاباء المرشدين. ونحيي ايضًا مكتب الرابطة ومجلسها الجديدَين اللَّذَين سيُقسمان اليمين أمامنا بالأمانة لتعليم الكنيسة الاجتماعي، والالتزام بأنظمة كاريتاس ورسالتها في خدمة المحبة. ونحيّي المسؤولين في الأقاليم والعاملين في المراكز والمتطوّعين، وجوقة إقليم صيدا والشبيبة وجوقة الناعمة الذين يحيون القداس الإلهي.
كاريتاس لبنان هي جهاز الكنيسة الاجتماعي والإنمائي، وبهذه الصفة تخدم المحبة وإنماء الشخص والمجتمع على كلّ الأراضي اللبنانية: تساعد العائلات المعوزة، تعتني باليتامى والمعوَّقين والمسنّين والأطفال وذوي الاحتياجات الخاصّة في مراكزها المتخصّصة، وتؤمّن الخدمات الصحية والأدوية في مستوصفاتها، وتحقق مشاريع إنمائية: زراعية ومائية وسواها. وتولي اهتمامًا خاصًّا بالعمّال والعاملات الأجانب، ولاسيّما الاسيوبين والأفريقيين وتساعدهم في شؤونهم القانونية وحاجاتهم، وتعتني كذلك بالنازحين السوريّين والعراقيّين. كلّ ذلك بفضل المحسنين من لبنان والخارج، والمنظّمات الخيرية غير الحكومية، والمسؤولين والعاملين والمتطوّعين.
في زمن الصوم الكبير تقوم كاريتاس، بواسطة الشبيبة المتطوّعة المشكورة، بحملة جمع التبرعات، للمساهمة في تحقيق بعضٍ من برامجها المتعدّدة والآخذة في الاتّساع، باتّساع الحاجات. فإنّنا نطلب من الجميع القيام بواجب التبرّع لأعمال المحبة والرحمة بواسطتها. وهو واجب على كلّ واحد وواحدة منّا في زمن الصوم الكبير القائم على ثلاثة لا تتجزّأ:الصلاة والصيام والتصدّق؛ ويدعونا إليه قداسة البابا فرنسيس في سنة الرحمة وفي ندائه لمناسبة الصوم.
لقد آلمتنا وآلمت الكنيسة حادثة مقتل أربع راهبات من جمعية مرسلات المحبة للطوباوية الأم تريزا دي كلكوتا، أول من أمس في عدن باليمن، في بيت للمسنين خاص بهنّ، وحيث يخدمن هؤلاء كممرضات بمحبة مجّانية. وقتل المجرمون معهن حارس المبنى وأحد عشر مسنًّا. إننا إذ نُدين بشدة هذا العمل الوحشي الجبان، نصلّي إلى الله، بشفاعة الطوباوية الأم تريزا التي تستعد الكنيسة لإعلانها قديسة في الأشهر القادمة، أن يكلل الراهبات شهيدات الإيمان والقتلى بإكليل مجد الشهداء في السماء، ويعزي أهلهم وجمعية الراهبات مرسلات المحبة، راجين أن تغسل دماؤهم خطايا المجرمين وكل الذين يحرّضون على الحرب والقتل ويدعمونها بالمال والسلاح، في اليمن وسواها من البلدان التي تعاني من ويلات الحروب والعنف والإرهاب.
أنهينا أمس في بازيليك سيدة لبنان حريصا وفي مختلف أبرشياتنا وفي جميع أبرشيات العالم مع قداسة البابا فرنسيس في بازليك القديس بطرس بروما "الأربع وعشرين ساعة مع الربّ". إن الذين شاركوا فيها خرجوا بفرح اللقاء مع مخلّصنا وفادينا يسوع المسيح، وبسعادة المصالحة مع الله والذات والكنيسة والمجتمع. وقد اختبرنا حنان رحمة الله في ما سمعنا من كلامه الإلهي الذي خاطب به قلوبنا، وفي ما نلنا من نعم شفت نفوسنا. كم نرجو هذا اللقاء الروحي لجميع الناس لخيرهم وسعادتهم!
إنّ الذين تقدّموا من سرّ التوبة، في المناسبة وفي مثيلاتها، قد نالوا غفران السنة المقدّسة. يكتب قداسة البابا فرنسيس في براءة اليوبيل: إنّ هذا الغفران هو مصدر فرحنا الداخلي، لكون مغفرة الله للخطايا لا تعرف الحدود. بموت يسوع المسيح وقيامته حطّم الله خطيئة البشر، وأعطانا قوّة روحية للانتصار عليها. إنّ من ينغلب للخطيئة، يعطّل عمل النعمة فيه. لكن الله حاضر دائمًا، بواسطة خدمة الكهنوت في الكنيسة، للغفران، ولا يكلّ أبدًا عن تقديمه بشكل دائم، جديد وغير منتظر (براءة اليوبيل، 22).
والغفران هو اختبار قداسة الكنيسة التي تشرك الجميع في ثمار الفداء بالمسيح، وهو دخول في شركة القديسين التي تتجلّى في ذبيحة القداس. إنّ قداستهم تعضد ضعفنا. وهكذا تستطيع أمّنا الكنيسة، بصلاتها وحياتها، ملاقاة ضعف البعض بقداسة البعض الآخر (راجع براءة اليوبيل، 22).
"مغفورةٌ لك خطاياك! قم احمل سريرك واذهبْ إلى بيتك" (مر 2: 5 و 11).
لقاء المخلّع بيسوع خلقه من جديد، بشفاء نفسه من الخطيئة، وشفاء جسده من الشلل. كتب قداسة البابا فرنسيس في ندائه لصوم هذه السنة: "بلغت محبة الله ذروتها في الابن الذي تجسّد وصار إنسانًا. ففيه يسكب الله رحمته من دون حدود، بحيث جعله "الرحمة المتجسّدة" (براءة اليوبيل، 8). نحن بالمعمودية والميرون مُسحنا على صورة المسيح، في كياننا الداخلي، لكي نكون خادمي رحمة الله، منفتحين إليها نفسًا وجسدًا، وحاملينها إلى إخوتنا المحتاجين جسديًّا وروحيًّا.
يدعونا البابا فرنسيس، إلى أعمال الرحمة الجسدية، حيث نلمس جسد المسيح في إخوتنا وأخواتنا المحتاجين إلى طعام وكساء وإيواء وزيارة في حالة مرض وأسر؛ وإلى أعمال الرحمة الروحية بإرشاد وتعليم ومسامحة ونصح وصلاة (النداء فقرة 3، براءة اليوبيل، 15). هذا هو عمل الكنيسة الروحي والاجتماعي، التربوي والاستشفائي، الثقافي والإنمائي والراعوي. وهذا هو بامتياز عمل كاريتاس- لبنان في برامجها الإنسانية المتنوّعة.
يرمز المخلّع إلى الإنسان الذي شلّته حالة الخطيئة والشّر، بحيث صار عقله عاجزًا عن معرفة الحقيقة والالتزام بها والعيش وفق مقتضياتها؛ وصارت إرادته عاجزة عن التزام الخير والابتعاد عن الشر؛ وصار قلبه عاجزًا عن المشاعر الإنسانية والمحبة والرحمة.
إننا نصلّي لكي يدرك ويقرّ كل واحد وواحدة منّا بشلل النفس والروح الذي يصيبه، من جرّاء الخطيئة والأخطاء، فيعيقه عن القيام بواجبه في العائلة والكنيسة، وفي المجتمع والدولة. فلولا هذا الشلل على الصعيد الوطني، لما تمادى المتمادون بشلّ رئاسة الجمهورية في لبنان بالفراغ منذ سنة وتسعة أشهر، ولما شُلَّ المجلس النيابي بالكلية، فلا من تشريع ومساءلة ومحاسبة، والحكومة بالعجز عن اتخاذ القرارات الواجبة، ولما انتشر الفساد في المؤسسات العامة من دون رادع، بل بحماية سياسية. ولولا هذا الشلل لما شُلّت الإرادة العربية والدولية عن إنهاء الحروب في بلدان الشرق الأوسط، وعن إيجاد حلول سياسية لها، وإحلال سلام عادل وشامل ودائم، ولما شُلّ الضمير باللامبالاة بملايين النازحين والمشردين والمحرومين من جميع حقوقهم، وأولها العودة إلى بيوتهم وأراضيهم بسلام.
أجل نصلّي من أجلنا جميعًا، لكي نقف وقفة وجدانية أمام الله والذات، وأمام واجب الحالة، راجين الشفاء بالمسيح، طبيب الأرواح والأجساد، واختبار فرح مخلّع كفرناحوم. ومثل ذاك الجمع، نمجّد الله على عظائمه، الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.