لبنان
06 أيلول 2022, 05:55

المطران ابراهيم من عميق: علينا أن نكون حجر الزّاوية في قول الحقيقة

تيلي لوميار/ نورسات
في كنيسة سيّدة الوحدة والسّلام في عمّيق- البقاع الغربيّ، احتفل رئيس أساقفة الفرزل وزحلة والبقاع للرّوم الملكيّين الكاثوليك المطران ابراهيم مخايل ابراهيم بالقدّاس الإلهيّ لمناسبة زيارته الأولى للبلدة، بمشاركة كاهن الرّعيّة الأب اليان أبو شعر والأب شربل راشد، بحضور وكيل عامّ الرّهبنة الأنطونيّة في روما الأب ماجد مارون، والآبوين ألبير سكاف ومتري الحصان، وفعاليّات البلدة وأبنائها.

بداية القدّاس كانت مع كلمة ترحيب للأب اليان أبو شعر ألقاها بإسم أهالي عمّيق، قدّم في نهايتها أيقونة السّيّدة العذراء (انغولبيون) إلى المطران ابراهيم عربون محبّة واحترام.  

بعد الإنحيل المقدّس، توجّه المطران ابراهيم إلى الأهالي فقال: "أحبّائي أبناء هذه البلدة المباركة المزروعة بيد الله في هذه المنطقة.

في المسيحيّة ليس هناك شيء اسمه صدفة. الله زرعنا هنا لأداء شهادة معيّنة، لنعيش كجماعة مؤمنين نشهد لمحبّتنا لله ولبعضنا البعض. هذا المشروع الإلهيّ لهذه البلدة لم يتغيّر، أحيانًا نحن نغيّر مشاريع الله ونغيّر في إرادته لنا، نحسب أنّ هناك شيء أفضل، أنّ هناك مكان أفضل، لكن الله يعلم أنّ وجودنا في هذه المنطقة وفي هذا الوطن لبنان هو وجود الخمير في العجين، هو وجود الملح في الطّعام، لذلك لا يهمّ كم نحن من النّاحية العدديّة، ما يهمّ هو مقدار الإيمان الّذي يسيّر حياتنا والّذي يزيّن حياتنا، الّذي يوجّهنا نحو الحقّ والحقيقة والدّفاع عنها.

في إنجيل اليوم رأينا كيف أنّ الله في العهد القديم أرسل إلى كرمه كرّامين آباء وأنبياء وأبرار كانوا يدافعون عن الله، الله الحقيقة الجديدة أمام البشريّة. في البداية لم يكن الإنسان يعرف الله. لو عرفه كما يجب حتّى في الفردوس لما اختار غيره. نحن نسأل عن الخطيئة الّتي جعلت الإنسان يترك الفردوس، الخطيئة هي عدم معرفة الله وعدم معرفة الحقّ، الانطلاق من كبرياء، من الأنا الّتي تصير فوق كلّ شيء، وهذه الأنا الهدّامة هدمت الإنسان في وجوده المحاط بالرّاحة والسّلام والغبطة في كنف الله الّذي أحبّنا. الخطيئة أرسلتنا على هذه الأرض، إلى هذا المكان الّذي فيه يجب أن نأكل عيشنا بعرق جبيننا. هذه اللّعنة الّتي هي نقمة وليست نعمة. النّعمة هي أن نعود إلى مكان لا يوجد فيه عرق أو تعب، إلى مكان الرّاحة. المؤمن يفتّش عن هذا المكان في حياته ومن هذه الأرض لذلك عاد واكتشف الله شيئًا فشيئًا في العهد القديم. القطيعة هذه لم تكن نهائيّة، الإنسان فتّش عن الحقيقة وبدأ يكتشفها بواسطة أشخاص سلّموا حياتهم للقدرة الفائقة الكاملة الّتي هي قدرة الخالق الّذي لا حدود لمجده وقدرته.  

هؤلاء الأنبياء والآباء والأبرار عندما أتوا إلى هذه الأرض ماذا كان مصيرهم؟ كلّ الّذين اختاروا الحقّ كان مصيرهم الضّرب والجلد حتّى القتل. أقامهم الله لكي يحرسوا كرمه لكن الّذين أعطوا أن يهتمّوا بهذا الكرم ضلّوا الطّريق وهذا ما نعيشه اليوم في بلادنا.

بلدنا جنّة وكرم رائع جدًّا مخصّب وفيه ثمار، الله هو الّذي زرعه في هذا الشّرق وفي هذه الأرض، سلّمه إلى كرّامين غير جديرين، كرّامين مجرمين قاموا بقتل كلّ من يقول الحقيقة، لذلك نحن لسنا من نسل أولئك الّذين يقتلون أنبياء الله، علينا أن نكون من نسل الأنبياء والآباء، نحن أبناء الإيمان علينا أن نختار بين طريقين: إمّا أن نكون من نسل الكرّامين الظّالمين وإمّا أن نكون من نسل الأنبياء الّذين عرفوا الله بالإيمان. لكن دعوتنا هي أن نكون أبناء الآباء والأنبياء في العهد القديم وأن نكون أبناء الله وإخوة للمسيح يسوع في العهد الجديد، مخلّصين ومختومين بختم موهبة الرّوح القدس في المعموديّة المقدّسة، ممسوحين بالميرون المقدّس.

في الحقيقة وفي العمق لم يعد لدينا هذه الحرّيّة الّتي تقودنا إلى الهلاك، ويبقى لنا حرّيّة الاختيار لأنّ حرّيّة الإنسان مقدّسة، أمّا حرّيّة المؤمن فهي الحرّيّة المسؤولة والمنظّمة. لا أستطيع أن أقول أنا حرّ بالمعنى الّذي يقودني إلى الجحيم والهلاك، أنا حرّ أن أسير نحو الحقّ والحقيقة حتّى لو كان مصيري الجلد والقتل، عليّ أن أدافع عن الحقّ والحقيقة وأن أكون على مستوى الأمانة الّتي سلّمني إيّاها الله في حياتي.  

من هو كرمي اليوم؟ إذا كنت أمًّا كرمي هو عائلتي وبيتي وأولادي، وإذا كنت أبًا الشّيء نفسه، إذا كنت مسؤولاً في البلدة أو الوطن كرمي هو المسؤوليّة الّتي أعطيت لي. إذا كنّا نحن أمناء ووكلاء لهذه الكروم المتعدّدة الّتي هي مسؤوليّاتنا علينا أن ندافع عن الكرم،علينا أن نسلّم لصاحب الكرم ما هو له، أعطوا لقيصر ما هو لقيصر وما لله لله هذه هي دعوتنا.

أحيانًا نسأل ماذا نستطيع أن نغيّر في الأوضاع؟ طالما أنّ الكرّامين المسؤولين عن بلادنا اختاروا أن يخونوا الأمانة الّتي أعطيت لهم، وأحيانًا نقول "منحطّ راسنا بين الرّوس ومنقول يا قطّاع الرّوس" ونسير في موجة الفساد من أجل الكسب المادّيّ، نسير مع التّيّار مهما كان هذا التّيّار يقودنا نحو الهلاك. ننسى أنّ الكرم الّذي أعطي لنا هو أجمل الكروم والثّمار الّتي تنتج منه هي أطيب الثّمار، هذا هو لبنان، هذه هي الكنيسة، هذه هي العائلة، هذه هي عميق، هذا هو البقاع، كلّهم مسؤوليّتنا علينا أن نعيدهم كما أعطوا لنا وأفضل.

يقول إنجيل اليوم "في الآخر أرسل إليهم ابنه" بمعنى أنّ الله أرسل سابقًا الأنبياء والآباء والأبرار والمرسلين بشّروا بمجيء المسيح لكن لم يكونوا كافيين لذلك قال في النّهاية أرسل ابني، وبما أنّنا نعيش في منظومة عقائد متعدّدة وأديان متعدّدة، علينا أن نعرف أقلّه بحسب إيماننا أنّ يسوع هو الآخر وليس هناك من بعده لا أنبياء ولا آباء ولا مرسلين، بعد يسوع لم يعد لدينا شيء نكسبه ولا أحد نتبعه، يسوع هو المنارة الوحيدة في حياتنا، لا نقم لنا منارات بديلة فالله يعرف ما هو لصالحنا، والحجر الّذي رذله البنّاؤون، وكلّ واحد منّا ممكن أن يكون هذا الحجر لأنّنا على مثال السّيّد المسيح في حياتنا، الإبن الّذي أتى إلى الكرم وقتلوه لكن غلبهم بالقيامة لذلك "إنّ الحجر الّذي رذله البنّاؤون صار هو صار رأسًا للزّاوية"، كلّ واحد منكم يدافع عن الحقّ فليعرف أنّه صار حجرًا مرذولاً لكن هو حجر رأس للزّاوية. علينا أن نختار بين أن نكون حجارًا مرميّة لا قيمة لها ولا دور، أو أن نكون أحجارًا مرذولة ولكن رؤوسًا للزّوايا، على كلّ واحد منّا أن يختار.

أنا سعيد جدًّا اليوم أن اكون بينكم. سمعت كثيرًا عن عمّيق، ومرّرت كثيرًا على طريقها العامّ منذ أن كنّا تلاميذًا، وكانت هذه البلدة مميزة بجمالها وموقعها الجغرافيّ، واليوم من خلال ما سمعت عرفت أنّ البلدة مميّزة جدًّا بأهلها وبانفتاحهم على بعضهم البعض في هذه الكنيسة الجامعة، كنيسة الوحدة. وأنا أتأمّل بهذا السّهل الجميل قلت في نفسي كم أنتم محظوظون في عمّيق، بهذا الجوّ الجميل الّذي تعيشون فيه في هذه البلدة الجميلة والطّبيعة الرّائعة، والإنسان يأخذ جماله من محيطه. وبالرّغم من كلّ الجمالات المحيطة بكم من جبال وسهل تبقون أنتم الأروع، أنتم الأيقونات الأجمل وإن شاء الله الرّبّ يشملكم بحمايته لتتابعوا مسيرة شهادتكم في هذه المنطقة آمين".  

خلال القدّاس، دعا المطران ابراهيم الأطفال الحاضرين في الكنيسة إلى الحضور أمام الهيكل ومشاركته في صلاة "الأبانا"، مشدّدًا على دورهم في الكنيسة وضرورة حضورهم إليها مع أهاليهم دائمًا.

بعد القدّاس، التقى ابراهيم بأهالي البلدة وفعاليّاتها في قاعة الكنيسة، واستمع إلى أحوالهم، وإلى كلمة ألقاها رئيس البلديّة جوزف ماضي بإسمهم، وتسلّم من ميلاد مدوّر هديّة تذكاريّة، ليزور ختامًا منزل المختار السّابق طانوس كنعان متفقّدًا صحّته بحضور أفراد العائلة.