لبنان
09 كانون الأول 2021, 14:30

المطران سويف: قبل أن نبدأ بتغيير العالم علينا أن نبدأ بلبنان الّذي هو وطننا

تيلي لوميار/ نورسات
إحتفل راعي أبرشيّة طرابلس المارونيّة المطران يوسف سويف، الأربعاء، بالذّبيحة الإلهيّة في كنيسة مار يوحنّا المعمدان عيمار، لمناسبة عيد الحبل بلا دنس واستقبال ذخائر الطّوباويّ كارلو أكوتيس، عاونه فيه كاهن الرّعيّة بحضور كهنة المنطقة.

بعد الإنجيل، رفع سويف "آيات الشّكر والتّسبيح للرّبّ يسوع على نِعَمه وعطاياه بهذا اليوم المبارك، حيث الجميع مجتمعون في الرّعيّة لاستقبال ذخائر هذا الطّوباويّ الشّابّ كارلو بعد ما زار رعايا المنطقة: صخرة وزغرتغرين وكهف الملول وكرم المهر.  

الطّوباويّ الشّابّ اسمه: كارلو فعندما نلفظ إسمه، نشعر أنّنا نتحدّث مع شابّ موجود الآن معنا يعيش بيننا. لذلك لا يمكننا بهذا الوقت إلّا أن نشكر الرّبّ على كارلو أكوتيس، فوجوده عطيّة كبيرة، هو الّذي زيّنه الرّبّ، بمواهبه فدعاه بطريقة جدًّا مميّزة ومباشرة لكي يكون شاهدًا للقداسة، شاهدًا للحبّ الّذي لا يعرف حدودًا.

من ثمّ، حيّى سيادته الشّبيبة في هذا الوقت: الشّبيبة والطّلائع والأخويّة وكاريتاس وكلّ الفرق والمنظّمات الرّعويّة والأطفال معبّرًا عن الفرح كلّ مرّة تلتقي فيها الشّبيبة في كنف الرّعيّة وتأخذ القرار أن تعيش مع الرّبّ يسوع وتتعرّف عليه وتسمع صوته الّذي يدخل إلى قلبها وأعماق حياتها.

نحن نحتفل بهذه الذّخائر في أبرشيّتنا ورعايانا بهذا اليوم الّذي نحن نُعيّد فيه عيد العذراء مريم الحُبِل بها بلا دنس. بالتّأكيد العذراء مريم هي الّتي دَلّتنا على الطّريق، العذراء مريم هي الّتي عاشت الاختبار قبلنا، وهي الّتي عرفت أن تسمع صوت الرّبّ بقلبها وفكرها وحياتها، مريم العذراء هي هذه الفتاة الّتي اختارها الله منذ البدء وهيّأها لكي تكون أُمّ الرّبّ يسوع المُخلّص، العذراء مريم الّتي نحتفل بعيدها اليوم هي الّتي حُبِلَ بها بلا دنس، أيّ هي الإنسانة الّتي تشبهنا من لحمنا ومن دمنا، هي شاركتنا بالإنسانيّة بالبشريّة ولكنّ الرّبّ اصطفاها، اختارها ونزّهها عن العيب أيّ عن الخطيئة وهيّأها بكلّ كيانها الإنسانيّ والبشريّ لكي تحمل بأحشائها حامل الكون كلّه والّذي هو يسوع المسيح.

العذراء مريم الّتي امتلأت من نِعَم الرّبّ من اللّحظة الأولى عاشت اختبار نِعَم الرّبّ بالبشارة، وعرفت بكلّ بساطة وعمق، وفي داخل الخوف إذ لم تكن تعلم ماذا يحدث، أن تقول بفرح عظيم: "نَعَم ها أنا خادمة للرّبّ فليكن لي بحسب قولك"، وانصرف من عندها الملاك وبدأ مشروع الخلاص.

نَعم يا أحبّائي، نحن نشكر الرّبّ على العذراء الّتي نكرّمها أوّلاً ومن بعدها القدّيسين والشّهداء والمعترفين، لأنّ العذراء هي أُمّ الكنيسة، العذراء هي الّتي دَلّتنا على الطّريق.

كانت العذراء مريم في حياة هذا الشّابّ الطّوباويّ كارلو وقد تعرّف عليها وقال أنا أُريد أن أكون مثل مريم، أنا أُريد أن أكون مثل مريم بالبشارة، أنا أُريد أن أسمع صوت الرّبّ بقلبي وبفكري وبحياتي، وأنا أُريد أن أكون تلميذًا للرّبّ يسوع، بعد أن أكون قد سمعتُ صوته وأُريد أن أتبعه وهكذا حصل.

هذا الشّابّ الّذي من بعد القربانة الأولى، هذا الاحتفال الجميل والمميّز في حياة الإنسان، وحياتنا كمعمّدين ومعمّدات، قد انفتح قلبه وفكره وكيانه وكان يشعر بحضور الرّبّ: الرّبّ الموجود في القربان. فعندما نُشارك نحن في القدّاس، بالإفخارستيّا، نتّحد بيسوع المسيح بالقربان: "من أكلَ جسدي وشربَ دمي فله الحياة الأبديّة.

عندما نتناول جسد الرّبّ ودمه وندخلهم إلى قلبنا وفكرنا وكياننا، يُحوّلوننا: الرّبّ يُحوّلنا بنعمة الرّوح القدس يُغيّرنا ويُجدّدنا ويجعلنا نعيش بتوبة دائمة، يجعلنا نعيش بالفرح الحقيقيّ، وهذا اختبره بطريقة مباشرة كارلو عندما كان يتناول القربان كان يشعر بفرح لا يوصف، كان يعتبر أنّ إله السّماء والأرض يزوره بهذا الوقت، دخل إلى قلبه وكيانه، وكان يسعى دائمًا أن يقول ماذا عليّ أن أفعل لكي أُحافظ على هذه النّعمة في قلبي وفكري وحياتي؟

بالتّأكيد نحن نعلم تمامًا من خلال سيرة حياته أنّه إنسان مُعاصر عاش بيننا. لم يدعُه الرّبّ لكي يكون لا كاهنًا ولا راهبًا ولا ناسكًا ولكن الرّبّ كان يقول له: أنتَ يا كارلو من موقعك من المكان الّذي أنت فيه كتلميذ في مدرستك، كشابّ تعيش مع الصّبايا والشّباب في مجتمعك، أنتَ عليك أن تكون لي علامة مميّزة، وتكون حالةٌ مختلفة، شيء آخر. كان كارلو واعٍ لهذه الدّعوة وحقيقةً كان يسعى من خلال كلّ الوسائل الاعتياديّة كما كلّ شابّ وصبيّة يعيشونها بهذا العمر أيّ عمر الشّباب، كان يسعى أن يُحوّل كلّ شيء لكي يُظهر وجه الرّبّ، ويُظهر محبّة الرّبّ، ورحمة الرّبّ للإنسان.

من خلال هذا القربان الّذي كان يدخل إلى حياته كان يقول للرّبّ ساعدني لكي أتحوّل وأتغيّر وأكون أنا علامة حبّ وفرح ومصالحة وسلام في حياتي اليوميّة، لذلك كان عنده علاقة جدًّا مميّزة مع الرّبّ يسوع بالقربان، ونحن نعلم تمامًا من خلال حياته عندما كان يشترك بالمناولة ومن بعد القدّاس كان يجلس ويُصلّي، ويستمتع بهذه النّعمة الكبيرة الّتي أعطاه إيّاها الرّبّ.

وعندما كان يخرج من الكنيسة لم يكن ينتهي كلّ شيء بل بالعكس كان كلّ شيء يبدأ، فيذهب إلى مدرسته، ومجتمعه، ومحيطه وعائلته وبيته وحقيقةً يقول للنّاس: يسوع يُحبّكم، كان يُظهر محبّة يسوع لرفاقه."

من ثمّ توجّه للشّبيبة الطّيّبة الّتي تشارك في القدّاس، وبالتّأكيد هم يشاركون كلّ أحد وكلّ عيد وقال:

"ليس هناك شيء أجمل من أن نشعر بنعمة الرّبّ وبفرح اللّقاء بيسوع، وعلينا أن نعرف أنّ مشاركتنا بالقدّاس ليس فقط فرض واجب نحن لا نقوم بواجبات، نحن جئنا إلى هنا لكي نعيش العيد وفرح اللّقاء مع يسوع المسيح الّذي يُحبّكم ويدعوكم والّذي يُريد من كلّ شابّ وصبيّة، خاصّةً في هذه الأيّام، حقيقةً أن تكونوا علامةً مميّزة، تثبت في هذا العالم أنّه بالرّغم من وجود الشّرّ والعتمة والخطيئة والسّوء يظهر من خلالكم الرّبّ يسوع ويقول إنّ هناك حبّ وفرح وسلام ورجاء وشباب وصبايا يُحبّون الرّبّ يسوع ومستعدّون أن يكونوا تلاميذًا وتلميذات له، وعندما تخرجون من الكنيسة وأنتم تحملون الرّبّ يسوع، لا بل هو يحملكم بقلبه وفكره فتكونون علامات له في قلب مدرستكم وجامعاتكم وعملكم وعائلاتكم. هذه هي حقيقةً دعوة مقدّسة ودعوة جميلة جدًّا.

أنا معكم يا شبيبتنا ويا عائلاتنا ويا أهلنا ويا أحبّاءنا، وأشكر الرّبّ على نعمة تطويب كارلو أكوتيس في الكنيسة الجامعة، أشكر الرّبّ على هذا الحدث الّذي يحصل في لبنان زيارة الذّخائر. فهذه الزّيارة ليست فقط زيارة روحيّة ورعويّة، ولكنّها تذكير، وهي علامة لنا لكي نسعى أن نكون مثل كارلو. علينا أن نسعى لنكون مثل كارلو، وهو سعيد جدًّا أن يراكم اليوم في الكنيسة ويفرح كثيرًا أن يراكم خارج الكنيسة شهودًا للقداسة، شهودًا ليسوع، شهودًا للإنجيل من خلال إيمان واعٍ، والتزام جدّيّ، وحضور يُغيّر العالم، ولبنان.

وقبل أن نبدأ بتغيير العالم علينا أن نبدأ بلبنان الّذي هو وطننا. في لبنان نحن بحاجة لشيء جديد، بحاجة لتغيير، بحاجة لذهن جديد، لذهنيّة جديدة لتفكير جديد لمنطق جديد لأرض جديدة، نحن بحاجة حقيقةً أن نُجدّد إيماننا بالرّبّ يسوع ونُجدّد علاقتنا مع بعضنا البعض كأُناس نشعر مع بعضنا البعض. فالنّاس ليست أرقامًا، النّاس ليست سلعة، النّاس ليست تجارة، الإنسان الموجود أمامنا هو إبن الله المحبوب، هو إبن الله الّذي بذل الرّبّ نفسه لأجله، ونحن علينا أن نلتقي مع بعضنا البعض وهذا هو السّينودس الّذي دعانا إليه البابا فرنسيس، نتلاقى مع بعضنا البعض، نمشي ونُفكّر مع بعضنا البعض، نُصلّي مع بعضنا البعض، لكي نكون كنيسة، جماعة، عائلة، كنيسة حيّة تشهد للرّبّ يسوع وشهادتها يجب أن تُغيّر الأرض لكي تجعل من الأرض سماء متجدّدة، لكي يكون في هذه الأرض الكثير من الحبّ والخير والانفتاح الواحد للآخر، والكثير من الاحترام للإنسان وكرامته وخدمة الفقير والانحناء أمام المجروح.  

أشكر الرّبّ يا أحبّائي وإيّاكم على نعمة هذا النّهار، على نعمة العذراء مريم بعيدها، على نعمة كارلو بهذه الزّيارات الّتي يقوم بها لكي يُبارك من سمائه وطننا وبيوتنا وعائلاتنا، نشكر الرّبّ على نعمة الحبّ الّتي نلناها من الرّبّ يسوع، يسوع المسيح كلمة الله المتجسّد له المجد والسّجود والإكرام إلى أبد الآبدين آمين."