دينيّة
12 شباط 2023, 08:00

خاصّ- الخوري سويد: مجاورة البحبوحة للبؤس تخلق دومًا شعورًا بالغبن والحرمان

نورسات
"ينتهي زمن الدّنح بتذكار الموتى، فبين الموت والدّنح ارتباط وثيق. فالدّنح يذكّرنا بعمادنا بالمسيح أيّ باصطباغنا بموته وقيامته". بهذه المقدّمة وضعنا الوكيل البطريركيّ للكنيسة المارونيّة في المملكة الأردنيّة الهاشميّة، وخادم رعيّة مار شربل عمّان الخوري جوزف سويد في الإطار اللّيتورجيّ لإنجيل أَحد الموتى للقدّيس لوقا (16/ 19 – 31) في الأسبوع الثّالث من أسابيع التّذكارات.

وتابع: "غنيّ إنجيل اليوم عرف كيف يستفيد من ماله: بذخ وملابس حريريّة وترف، وسهرات وبهرجات ومآدب. ويسوع ترك هذا الغنيّ بدون اسم، أمّا الفقير فاسمه لعازر... أيّ "عون اللّه".

وكان الفرق مؤلمًا بين ما يجري في الدّاخل وما يحدث في الخارج، ففي القصر رخاء وبحبوحة، مآدب عارمة وعيد متواصل في الدّاخل، أمّا عند العتبة فجوع، وبؤس وعُريّ، وقلب مسكينٍ يستعطي ويتوسّل ويتألّم، ولا من يُجيب.

عالمانِ متلاصقان ولكن مُتناقضان تمامًا.

واليوم يهزّنا مشهد الموج البشريّ من المهجّرين والمتألّمين يتكدّسون في بيوت التّنك حيث يخسر الكثيرون منهم كراماتهم ويغرقون في البؤس.

أطفال ومراهقون يُرمَون في الشّوارع والأزقّة والسّاحات ليستعطوا بالقرب من القصور حيث الرّاحة والرّفاهيّة.

فمجاورة البحبوحة للبؤس تخلق دومًا شعورًا بالغُبن والحرمان عند كلّ الّذين لا يملكون لا القوت ولا الدّواء...

لقد أراد هذا الجائع لعازر أن يملأ بطنه من الفتات المتساقط عن مائدة ذلك الغنيّ فحالت عتبة باب الغنيّ بينه وبين فتات يُعطى أصلاً للكلاب. فيا لقساوة قلب الإنسان!

واقع واحد جمع الغنيّ ولعازر وهو الموت إلّا أنّه قلب المقاييس رأسًا على عقب ومعه ترسّخ الانفصال مجدّدًا. فالغنيّ الّذي عاش النّعيم على الأرض نراه في العذاب الأليم الأبديّ والّذي عاش جحيم البلايا وكانت الكلاب تلحس قروحه نراه يتربّع بين الأحضان الإبراهيميّة.  

مشكلة الغنيّ قصر النّظر أو عمى القلب، وهنا تكمن الخطيئة الكبرى.

المسافة كانت قصيرة جدًّا ولا تتعدّى عتبة الباب ولكنّها تحوّلت لهوّةٍ عظيمةٍ.

كان الغنيّ بحاجة ماسةٍ للعازر لكنّه أغلق أحشاءه بدون أخيه الفقير.

فأضحى لعازر في حضن إِبراهيم كما كان الإبن الوحيد في حضن الآب.

في نصّ الغنيّ ولعازر، سأل الغنيّ وأكثر الكلام:

-         "فطلب أَن يبلّ لعازر طرف إصبعه ويرطّب حلقه"،

-         ثم توسّل إبراهيم أن يرسل لعازر إلى إخوته الخمسة.

جواب ابراهيم كان غريبًا:

"عندهم موسى والأنبياء". فمن هو موسى ومن هم أنبياء اليوم: صوت الضّمير، صوت الكنيسة، صوت الرّاعي صوت الوالدين، صوت الصَّديق ورفقاء الدّرب.

علينا أن نتذكّر قول الرّبّ للمؤمنين: "أريد رحمة لا ذبيحة".

 

وإختتم الخوري سويد تأمّله الّليتورجيّ قائلًا: "إِنّ الّذي لا يستطيع أن يُحِبّ لا يقدر أن يُشارك بوليمة السّماء حيث يجلس فقط الّذين يحبّون ويرحمون ويعرفون كيف ينفتحون على الآخرين!

وفي نهاية المطاف جاء طلب الغنيّ من ابراهيم كطلب أخير: أن يرسل لعازر من الموت لإخوته لعلهم يتوبون.

فكان جواب إبراهيم للفرّيسيّين قاطعًا: "ولو قام واحد من الأموات لن يقتنعوا أو يتوبوا"...

وقد أعطاهم الرّبّ برهانًا واقعيًّا بقيامة صديقه لعازر من الموت، وقيامة لعازر شكّلت عاصفة الشَّعانين إلّا أنّها لم تشكّل فارقًا كبيرًا في تغيير قلوبهم ومواقفهم، ولم يؤمنوا، ثُمَّ قام هو من بين الأموات ولم يؤمنوا أيضًا...".