دينيّة
28 آب 2022, 07:00

خاصّ- الخوري كرم: الخلاص يتحقّق بقدر التّفاعل مع إرادة الله في القلع والزّرع

نورسات
"بمثل الزّارع، يقدّم يسوع المساعدة لكلّ واحد منّا لاكتشاف حالتنا فيما يتعلّق بتلقّي كلمة الله. يميّز بين أربعة أنواع من التّربة: تربة المسار، والتّربة الصّخريّة، والتّربة بالأشواك، والتّربة الجيّدة. ثم يشرح ما ترمز إليه الأنواع المختلفة من التّربة: المسار يمثّل أولئك الذين لم تُغرس فيهم كلمات الله؛ تمثّل التّربة الصّخريّة أولئك الذين هم سطحيّون وغير ثابتون، الذين يسمعون الكلمة بفرح ولكنّهم لا يمنحون الكلمة فرصة للتّجذّر؛ تمثّل التّربة بالأشواك أولئك الذين يتركون أنفسهم غارقين في اهتمامات ومتعة الحياة؛ تمثّل الأرض الصّالحة أولئك الذين يسمعون الكلمة ويؤتي ثمارها من خلال المثابرة". بهذه المقدّمة المقتضبة لإنجيل القدّيس لوقا (8/ 1 – 15) عن مثل الزّارع في الأحد الثّالث عشر من زمن العنصرة استهلّ الكاهن المتفرّغ لصلاة الشّفاء في أبرشيّة جبيل المارونيّة الخوري روجيه كرم تأمّله لموقعنا.

وتابع موضحًا: "يسوع يكشف لتلاميذه معنى المثل وهو يُدرّبهُم ليس فقط من أجل الإصغاء والفهم، بل من أجل التّأمّل والعمل بموجب الكلمة. السّماع والفهم لا يكفيان، لا ننسى أنّ الزّرع هو المفتاح لباب الملكوت فهو يجابه بحواجز وفخاخ تضعها قوى الشّرّ. والكلمة التّي تقع على قارعة طريق الإهمال أيّ للّذي يعطي الأولويّة لمُتعة العالم والإغراءات الخادعة. ويأتي إبليس لينتزع هبة المحبّة ويبدلها بزرع الفتنة، النّميمة والحقد. وقساوة القلب وغلاظة الرّقاب، تمنع رؤية أعمال الرّبّ في حياتنا.

إنّ عدم المُسامحة والغضب، يدفعاننا إلى حياة التّفرّد الرّوحيّ، فلا يمكن أن تتغلغل جذور المحبّة في قلبنا، التّقوى تصير شعبيّة، ونتعرّض لكثير من الإغراءات، فنبتعد تدريجيًّا عن النّبع الحقيقيّ لجميع النّعم.

صلواتنا تضيع وتصير من أجل غايات شخصيّة واحتياجات ماديّة ومن أجل الغنى والشّهرة والسّلطة وحياة المتعة في الحياة إن كانت اجتماعيّة أو روحيّة."

وأضاف: "الرّبّ في إعلان الكلمة يكشف أسرار الملكوت ويظهر لنا كم نحنُ مُهمّين أمام نظره. الرّبّ يزرع في كلّ منّا محبّة الله ومحبّة الإخوة أيضًا. "بهذا يعرفُ الجميعُ أنّكم تلاميذي: إن كان لكم حُبّ بعضًا لبعضٍ"." (يوحنّا 13: 35) الرّبّ يرسل كلّ فرد منّا من أجل مهمّة إعلان البشرى الجديدة.

عند قراءة هذا، قد نميل إلى تخطّي الفئات الثّلاث الأولى بسرعة، متوقّعين أن ينتهي بنا المطاف في الفئة الرّابعة، والتي، على الرّغم من كلّ قيودنا، نعتقد أنّها تصوّرنا. في الواقع - وهنا تكمن المفاجأة - تمثّل التّربة الجيّدة أولئك الذين يتعرّفون بسهولة على أنفسهم في كلّ فئة من الفئات الثّلاث الأولى! إنّهم الأشخاص الذين يدركون بتواضع عدد المرّات التي استمعوا فيها بطريقة مشتتة للانتباه، وكم مرّة كانوا غير متسقين بشأن النّوايا التي شكّلوها في سماع كلمة من الإنجيل، وكم مرّة سمحوا لأنفسهم بالارتباك من النّشاط ودنيويّة الانشغالات. هؤلاء هم الذين، من دون أن يعرفوا، يصبحون التّربة الجيّدة حقًا. عسى الرّبّ أن نحسب نحن أيضًا في هذا العدد!"

وبعبرة للعيش اختتم الخوري كرم تأمّله قائلًا: "إذا كانت البذار جافّة، فذلك ليس بسبب الحرارة ولكن لأنّها تفتقر إلى عُمق الجذور. إذا كانت النّبتة مُعرّضة لخنق الأشواك، العلّة ليست من الشّوك، ولكن لأنّنا سمحنا لها بالنّموّ بملء حُرّيتنا. كان بإمكاننا بإرادتنا أن نمنع نموّها. أخي المحبوب من الله، إنّ الخلاص يتحقّق بقدر التّفاعل مع إرادة الله في القلع والزّرع؛ قلع الأشواك ونموّ الزّرع في التّعمّق بكلمة الله.

فيما يتعلّق بواجب قبول كلام الله وعدم ترك أيّ منه يسقط على الأرض فارغًا، فلنصغي إلى الوصيّة التي أعطاها أوريجانوس، أحد أعظم محبّي كلمة الله، للمسيحيّين في عصره: "إنّك الذي تعوّدت على المشاركة في الأسرار الإلهيّة تعلّم، عندما تتلقّى جسد الرّبّ، كيف تحميها بكلّ حرص وتبجيل لئلّا يسقط منه أيّ جزء صغير، لئلّا يضيع شيء من الهبة المكرّسة. لأنّك تؤمن، وصحيح، أنّك مسؤول إذا سقط أيّ شيء من هناك بسبب الإهمال. ولكن إذا كنت حريصًا جدًّا على الحفاظ على جسده، وبحقّ، فكيف تعتقد أنّ الشّعور بالذّنب تجاه إهمال كلمة الله أقل من إهمال جسده؟" [1]( أوريجانوس عظة 13 على الخروج 3، في عظات حول التّكوين والخروج).