دينيّة
19 أيار 2019, 07:00

خاصّ- يسأل الرّبّ "أتحبّني"؟

غلوريا بو خليل
لقاء استثنائيّ بين يسوع وبطرس يتحدّث عنه اليوم القدّيس يوحنّا (يو 21: 15 - 19) في إنجيله في الأحد الخامس من زمن القيامة. لقاء مبنيّ على حوار عميق لتأكيد المحبّة وترسيخها للانطلاق إلى عمل الرّسالة ورعاية الكنيسة، رسالة شرطها الوحيد المحبّة الحقّة يكون بطرس مصدرها. وللتّعمّق أكثر في هذا اللّقاء وتبيان أبعاده ومعانيه، كان لموقع "نورنيوز" الإخباريّ اتّصال مع نائب رئيس رعيتي مار أليشاع وسيدة بزعون في بشرّي الرّاهب المارونيّ المريميّ الأب دومينيك نصر الّذي أغنانا بشرحه المفصّل قائلًا:

 

"هذا الحدث حصل بعد موت الرّبّ وقيامته، حيث كان يظهر لتلاميذه ويشجّعهم ويقوّيهم ويحضّرهم لاستقبال الرّوح القدس. السّؤال الأوّل الذي يُطرح "لماذا بطرس؟": بطرس هو الذي جعله الرّبّ خليفته، بالرّغم من شخصيّته العفويّة والطّموحة والمندفعة، وصحيح أنّه نكره ثلاث مرّات ولكنّه ندم كثيرًا وجرحه لم يُشفَ بعد... هو رأس الكنيسة بعد المسيح والمفروض أن يقوّي إخوته عند الصّعوبات.

والغداء في الإنجيل هو الذّبيحة الإلهيّة. فبعدما قال لهم الرّبّ: هلّموا تغدّوا... كسر الخبز وناولهم، كذلك فعل بالسّمك... إشارة إلى العشاء السّرّيّ الإفخارستيّ. وبعد الاتِّحاد بالرّبّ ، بالجسد والدّم، يسأل الرّبّ: "أتحبّني؟"، ليُكمل "إرعَ خرافي، نعاجي، كباشي وحملاني، أيّ إرعَ كلّ إخوتك مهما كان موقعهم أو سنّهم أو حاجتهم. أنت من اليوم أُعلنك الرّاعي لكلّ البشر."

يسوع لم يقل ثلاث مرّات "أتحبني" لكي يهين بطرس أمام الآخرين، بل بالعكس لكي يداوي هذا الجرح العميق. ولا يمكن مداوات الجروحات إلّا بفعل المحبّة، المحبّة المزدوجة، محبّة الله المتجسّدة بمحبّة الآخر والاهتمام به.

نرى الرّبّ ينطلق من الذّبيحة الإلهيّة إلى مداوات جرح بطرس بمحبّة الله والآخر، فتبشيره بالاستشهاد. إنّها من المرّات القليلة التي يتكلّم فيها الرّبّ يسوع عن الاستشهاد، إذ يشبّهها بالمسيرة من مرحلة الشّباب إلى مرحلة الشّيخوخة. وبطرس الذي يمتلك كلّ صفات الشّاب المندفع والطّموح، سوف يُجرّ في آخر المطاف إلى حيث لا يريد.

واقعيّ هو الرّبّ يسوع، يعرف أنّه بالرغم من حبّ بطرس الشّديد له وشوقه إلى الاتِّحاد به، ولكنّه عند مفصل الحياة أيّ عند الوصول إلى ساعة الموت سوف يشعر بالانسلاخ وحبّ البقاء، وهذه حالة كلّ إنسان وطبيعته. من هنا، يسوع يقول له "سوف تؤخذ إلى حيث لا تريد". وعندما وصل إلى مفصل الحياة والموت كانت أداة موته الصّليب، ولكنّ حبّه الكبير ليسوع جعله يرفض أن يُصلب كما صُلب معلّمه بل طلب أن يُصلب معاكسًا، أيّ رأسه نحو الأسفل ورجليه نحو الأعلى.

ونرى يسوع في آخر النّصّ يدعوه من جديد، "إتبعني... إتبعني من جديد. لا تعود إلى صيد السّمك فأنت أصبحت صيّاد بشر. تصطادهم بشبكة الأسرار المقدّسة والإنجيل وتضعهم في سفينة الكنيسة لتنتشلهم من عمق بحر موت الخطيئة إلى برّ الأمان والقيامة والملكوت.

يسوع يسأل كلّ فردّ منّا: يا فلان أتريد أن تكون معي؟ أترك كلّ عاداتك السّيّئة وتعال اتّحد بي في أسرار الكنيسة وأوّلها الإفخارستيّا.

ثم يسأل كلّ فرد منّا: يا فلان أتحبني؟ إذا بعدما تناولتَ جسدي واتَّحدتَ بي، أنظر إلى الآخرين وارعهم، واهتمّ بهم... هذه هي المحبّة. هذه هي القيم المسيحيّة، هذا هو معنى القيامة. هذا هو إلهنا المتجسّد والمائت والقائم من بين الأموات، ربّنا وأخانا يسوع المسيح."

وإختتم الأب نصر شرحه بصلاة من القلب، فقال: "اللّهمَّ، أعطني أن أكون شابًّا باندفاعي نحو عيش البُشرى السّارة وأن أشيخ بمحبّتك، وكن بحياتي أنت الآخر الذي يسير بي حيث هو يريد. آمين!"