ساكو: يكفي حروبًا، تكفي صراعات!
وفي مداخلته، قال ساكو بحسب إعلام البطريركيّة:
"أشكر رئيس وزراء الإقليم على استحداث وزارة تهتمّ بشؤون الأقلّيّات والمحافظة على التّنوّع والتّعدّديّة الدّينيّة والقوميّة والثّقافيّة. هذا التّنوّع ثروة كبيرة يجب استثمارها لخير الجميع.
كنت قد اقترحت على الحكومة المركزيّة السّابقة استحداث وزارة للتّسامح عقب زيارة البابا فرنسيس سنة 2021، لإشاعة ثقافة الانفتاح والأخوّة والعيش المشترك بين المواطنين كما هي الحال في دولة الإمارات العربيّة، لكن من يسمع!
أذكر على سبيل المثال ما قامت به الكنيسة الكاثوليكيّة قبل شهر بعقد السّينوداليّة، أيّ السّير معًا في الإصغاء والحوار وتبادل الخبرات والمرافقة لتجديد الكنيسة ومعالجة التّحدّيات وإيجاد أجوبة مقنِعة لأسئلة النّاس. لأنّ العالم تغيّر والعقليّة تغيَّرت والثّقافة تغيَّرت والمجتمع تغيّر فغير مقبول أنّ نظلّ على الموروث التّقليديّ من دون تجديد. أتمنّى أن تقوم المرجعيّات المسلمة بخطوات مماثلة.
يحتضن العراق جماعات متنوّعة يشكّل فسيفساء ثقافات وحضارات وأديان وقوميّات، متعدّدة الوجوه والألوان، لكن كلّها تحمل تراثًا واحدًا مشتركًا في عمق حياتها، هو العراق. وبإمكان هذا التّنوّع الرّاسخ على مدى التّاريخ، أن يعكس اليوم نموذجًا جميلاً للوحدة والتّعدّديّة، وحافزًا للتّنمية وقاعدة التّسامح والتّعايش المتناغم كما نلمسه في الإقليم.
للتّعدّديّة والتّنوّع صلة بحرّيّة الإنسان، ونموّه السّليم وتطوّره الثّقافيّ والوطنيّ والدّينيّ والاجتماعيّ. من هنا أهمّيّة تفكيك خطاب الكراهيّة والانتقام وتجنّب الصّراعات والمشاركة بمسؤوليّة في تحقيق عدالة أكبر، وتناغم أفضل في العلاقات بين المكوّنات والثّقافات والدّيانات.
ينبغي إشاعة ثقافة حبّ الحياة والسّلام وليس العنف والثّأر والانتقام والحرب. يكفي حروبًا، تكفي صراعات. النّاس تعبت ويئست. أنظروا ما يحصل في فلسطين وأوكرانيا. صدمت بعدد الأطفال القتلى في غزّة! الحرب سِباق محموم، الكلّ فيها خاسر. نحتاج إلى العقلانيّة والحكمة، فحياة النّاس ليست العوبة بيد السّياسيّين.
لا يكتمل هذا التّنوّع وهذه التّنمية إلّا وسط بيئة من المفكّرين الأحرار والمستقلّين يمارسون دورًا بارزًا ومؤثّرًا على المستوى الوطنيّ الثّقافيّ والاجتماعيّ والاقتصاديّ والتّنمويّ لخدمة المجتمع، والخير العامّ واحترام حرّيّة الفرد وقيمته.
هذا يحصل بقيام دولة ديمقراطيّة مدنيّة، أقول علمانيّة، تحتضن التّنوّع والحرّيّات والثّقافات والدّيانات على أساس المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات. ينبغي نبذ النّظام الطّائفيّ، وفصل الدّين عن الدّولة والسّياسة، واحترام حقوق المواطنين وحرّيّتهم وكرامتهم.
هذا المشروع يمكن تحقيقه بسهولة في إقليم كوردستان وقد اتّخذوا خطوات عمليّة بهذا الاتّجاه، ونأمل أن يكون نموذجًا يحتذى به.
هذا المشروع الحيويّ حتّى يتحقّق يحتاج إلى تدريب المسؤولين والمواطنين على فنّ الانسجام والتّرابط الاجتماعيّ من خلال الاستعداد النّفسيّ والثّقافيّ والأخلاقيّ بعيدًا عن الأوهام المتبادلة والموروث التّقليديّ الخاطئ، والميل إلى تأكيد الفروقات بدل المشتركات.
هذه بعض مقترحات عمليّة:
1- تعديل الدّستور وإعطاء الحقّ للعقل وليس للعاطفة.
2- التّربية في الأسرة بشكل منفتح، باحترام التّنوّع والخصوصيّات وتنشئتهم على الحوار والقبول المتبادل وتعزيز الأخوّة والمحبّة عوض الكراهيّة والتّفرقة.
3- تغيير برامج التّعليم خصوصًا الدّينيّة منها والاجتماعيّة بعيدًا عن المفردات الفئويّة وعبارات التّكفير والتّخوين والإقصاء والتّهميش. ينبغي احترام التّنوّع كونه من تصميم الباري الّذي خلقنا مختلفين.
نحن المسيحيّين، ورغم الجراح نبقى متشبّثين ببلدنا ونحبّ مواطنينا بصدق، ولا نقبل أن نُستهدف كذبًا ونُهمَّش ظلمًا من أيّ كان، كما حصل بسحب المرسوم الجمهوريّ منّي وفي مذبحة قره قوش واستحواذ فصيل مسلّح على مقدّراتنا وأملاكنا.
نشكر كلّ الّذين وقفوا إلى جانبنا ودعمونا، وأظهروا أن العيش المشترك لا يزال يسري في عروق العراقيّين. شكرًا."