لبنان
07 نيسان 2025, 06:30

عوده: علينا أن نتوب بتواضع وانسحاق طالبين رحمة الله ومغفرته بقلوب صادقة

تيلي لوميار/ نورسات
في تذكار مريم المصريّة، احتفل متروبوليت بيروت وتوابعها للرّوم الأرثوذكس الياس عوده بقدّاس الأحد الخامس من الصّوم الأربعينيّ في كاتدرائيّة مار جاورجيوس- بيروت، دعا خلاله إلى التّوبة بتواضع وانسحاق وطلب رحمة الله، وذلك في عظة ألقاها بعد الإنجيل المقدّس، قال فيها:

"أحبّائي، رتّبت كنيستنا المقدّسة أن يكون الأحد الخامس من الصّوم الأربعينيّ المقدّس مخصّصًا لتذكار أمّنا البارّة مريم المصريّة. إنّ السّيرة الملائكيّة الّتي عاشتها القدّيسة مريم المصريّة هي مثال لمسيرة التّوبة الّتي يدعو إليها الآباء القدّيسون من أجل الظّفر بالملكوت السّماويّ.

ففيما نحن منطلقون في مسيرة الصّوم الكبير المقدّس، نحن مدعوّون للتّبحّر في أهمّيّة التّوبة في الكنيسة الأرثوذكسيّة. التّوبة(باليونانيّة metanoia)، تعني "تغيير الذّهن". تكمن التّوبة في قلب رحلتنا الرّوحيّة، وهي بمثابة عمليّة تغييريّة تقودنا إلى الاحتفال البهج بالفصح المقدّس. للتّوبة أهمّيّة عميقة في إعداد قلوبنا للمشاركة الكاملة والفعّالة في سرّ قيامة المسيح المقدّسة.

التّوبة ليست مجرّد اعتراف سطحيّ بالخطايا، بل هي إعادة توجيه جذريّة لكياننا بأكمله نحو الله. إنّها تغيير لذهننا في طريقة تجاوبه مع التّجارب. يقول القدّيس يوحنّا الذّهبيّ الفم: "التّوبة هي الدّواء الّذي يشفي جراحات الخطيئة". من خلال التّوبة الصّادقة نعترف بتواضع بخطيئتنا وبانكسارنا أمام الله، وندرك حاجتنا إلى رحمته ومغفرته. يعلّمنا التّقليد الأرثوذكسيّ أنّ التّوبة ليست حدثًا لمرّة واحدة، بل هي عمليّة مستمرّة، مسيرة من التّجدّد والنّموّ الرّوحيّ، تتجذّر في التّواضع والنّدم والحزن الحقيقيّ والبكاء على خطايانا.

يوفّر لنا موسم الصّوم الكبير فرصةً مقدّسةً للإنخراط في أعمال التّوبة والصّوم والصّلاة والصّدقة، فيما نستعدّ لعيش ذكرى آلام ربّنا يسوع المسيح وموته وقيامته. تعمل هذه التّدريبات والممارسات الرّوحيّة على تطهير قلوبنا وتقوية عزيمتنا وتعميق شركتنا مع الله، وبعضنا مع بعض. عندما نصوم عن الملذّات الأرضيّة، نتذكّر اعتمادنا على الله في حاجاتنا اليوميّة، ومنها الطّعام. من خلال الصّلاة الحارّة والشّفاعة، نقدّم قلوبنا وحياتنا لله، طالبين إرشاده ونعمته للتّغلّب على التّجارب والخطيئة. أمّا من خلال أعمال المحبّة والرّحمة، فنمدّ محبّة الله ورأفته للمحتاجين، مجسّدين روح تضحية المسيح غير الأنانيّة على الصّليب.

علاوةً على ذلك، ترتبط التّوبة ارتباطًا وثيقًا بالحياة الأسراريّة للكنيسة، لاسيّما الاعتراف. لذلك، جمعت الكنيسة المقدّسة هاتين العمليّتين في سرّ واحد هو سرّ التّوبة والاعتراف. كثيرًا ما نسمع البشر يتّهمون كنيستنا بأنّها لا تحتوي على سرّ التّوبة والاعتراف، إلّا أنّ هذا جهل بتقليد كنيستنا الّتي لا تزال وحدها محافظةً على التّقليد الشّريف كما تسلّمته من المسيح، عبر الرّسل وخلفائهم. في سرّ التّوبة والاعتراف لدينا الفرصة لنعترف بخطايانا أمام الكاهن ونتلقّى المشورة والتّوجيه الرّوحيّين، ونختبر القوّة الشّافية لمغفرة الله. يعلّمنا التّقليد الأرثوذكسيّ أنّ الاعتراف ليس مجرّد عمل شكليّ، بل لقاء مقدّس مع الله الحيّ الّذي يقدّم لنا عطيّة المصالحة واستعادة الشّركة معه. تغفر خطايانا بصلوات الكاهن ونعمة الرّوح القدس، فنتصالح مع الله وكنيسته، ونستعدّ لتناول الأسرار المقدّسة باستحقاق.

إلى ذلك، فإنّ التّوبة ضروريّة لمشاركتنا في زمن الفصح المقدّس، لأنّها تهيّئنا للدّخول إلى ملء قيامة المسيح. فإذ نحن نقترب من عيد الفصح المشرق، نحن مدعوّون إلى اعتناق السّرّ الفصحيّ بقلوب تطهّرها التّوبة وتتجدّد بالنّعمة. يقول الرّسول بولس: «لأنّه إن كنّا قد صرنا متّحدين معه بشبه موته، نصير أيضًا بقيامته" (رو 5:6). بالتّوبة، نموت عن الخطيئة والأنانيّة، ونقوم إلى جدّة الحياة في المسيح، مشاركين في انتصاره على الخطيئة والموت.

ختامًا، التّوبة هي البوّابة إلى زمن الفصح المقدّس، وهي رحلة تحوّل وتجدّد مقدّسة تقودنا إلى الاحتفال البهج بقيامة المسيح. فبينما نواصل "جهادنا في الصّوم"، علينا أن نتوب بتواضع وانسحاق، طالبين رحمة الله ومغفرته بقلوب صادقة. الصّوم بانضباط، والصّلاة بحرارة، والعطاء بسخاء، هي ما يرشدنا في هذه الرّحلة الرّوحيّة الّتي نستعدّ فيها لاستقبال الرّبّ القائم من بين الأموات بقلوب مشتعلة بالحبّ والفرح، آمين."