لبنان
13 تشرين الأول 2025, 06:30

عوده: نشكر الله لأنّ الحرب توقّفت في غزّة ونصلّي أن تكون أبديّة

تيلي لوميار/ نورسات
إحتفل متروبوليت أبرشيّة بيروت وتوابعها للرّوم الأرثوذكس الياس عوده بقدّاس الأحد، في كاتدرائيّة القدّيس جاورجيوس- وسط بيروت، حيث كانت له عظة بعد الإنجيل المقدّس، جاء فيها:

"أحبّائي، في البداية لا بدّ أن نشكر الله لأنّ الحرب توقّفت في غزّة، والشّرّ دخل في إجازة نصلّي أن تكون أبديّةً لكي ينعم سكّان غزّة، ولبنان، والعالم، بالسّلام والأمان والكرامة الّتي منحها الله للإنسان عندما خلقه.

يا أحبّة، إذ نعيّد اليوم لآباء المجمع المسكونيّ السّابع، تذكّرنا الكنيسة بنور الإيمان المستقيم الّذي أشرق على المسكونة من خلال أتعاب هؤلاء الآباء القدّيسين الّذين حفظوا الوديعة الّتي استودعهم إيّاها الرّبّ، وحموا الإيمان من تشويه الهراطقة الّذين أرادوا إطفاء نور الحقيقة. قال الرّبّ في إنجيل اليوم: "أنتم نور العالم، لا يمكن أن تخفى مدينة موضوعة على جبل". هكذا كان الآباء مدينةً مضيئةً لا تخفى، لأنّهم أقاموا إيمان الكنيسة على جبل التّجسّد الإلهيّ، ورفعوا راية الحقّ في وجه الظّلمة ومروّجي الهرطقات.

المجمع المسكونيّ السّابع الّذي عقد في مدينة نيقية سنة 787، على عهد الملكة التّقيّة إيريني، أعلن انتصار الحقّ على بدعة محاربي الأيقونات، الّذين أرادوا طمس حضور الجمال الإلهيّ في حياة الكنيسة. لم يكن الأمر مجرّد جدل حول صور ورسوم، بل كان مسألةً تتعلّق بجوهر التّجسّد الإلهيّ، لأنّ الّذي صار إنسانًا من أجل خلاصنا، يمكن أن يصوّر في هيئة إنسان. لذلك قال الآباء في قراراتهم: "إنّ كرامة الصّورة تعود إلى الأصل". فمن يسجد أمام أيقونة المسيح، لا يسجد للخشب والألوان، بل لمن تمثّله الأيقونة، أيّ للرّبّ نفسه الّذي تجسّد وصار منظورًا.

أعلن الآباء، في وجه محاربي الأيقونات، أنّ رفض الأيقونة هو رفض للتّجسّد، وأنّ من ينكر إمكانيّة تصوير المسيح، إنّما ينكر أنّه صار إنسانًا حقًّا. لذا، لم يكن الدّفاع عن الأيقونة دفاعًا عن فنّ بشريّ، بل عن سرّ إلهيّ، وعن الإيمان بأنّ الكلمة صار جسدًا وحلّ بيننا، وصار وجهه يرى وملامحه ترسم، لكي نستطيع أن نرى الله في وجه إنسان هو يسوع المسيح الإله المتجسّد.

سمعنا في رسالة اليوم قول الرّسول بولس لتلميذه تيطس: "صادقة هي الكلمة، وإيّاها أريد أن تقرّر حتّى يهتمّ الّذين آمنوا بالله في القيام بالأعمال الحسنة". هذا التّعليم يتطابق مع روح ما فعله آباء المجمع السّابع. فالإيمان الّذي حفظوه ليس فكرةً جامدةً، بل حياة متجسّدة. وكما أنّ التّجسّد هو اتّحاد الكلمة الإلهيّ بالجسد البشريّ، كذلك الإيمان الحقيقيّ هو اتّحاد الكلمة بالعمل، والحقّ بالمحبّة. لذلك قال الرّسول أيضًا: "ليتعلّم ذوونا أن يقوموا بالأعمال الصّالحة للحاجات الضّروريّة، حتّى لا يكونوا غير مثمرين".

إنّ الإيمان المستقيم الّذي دافع عنه الآباء يثمر، لا في مجادلات عقيمة "ومباحثات هذيانيّة وخصومات ومماحكات" كما يقول الرّسول، بل في أعمال حسنة تنير العالم. فحينما يقول الرّبّ: "ليضئ نوركم هكذا قدّام النّاس لكي يروا أعمالكم الصّالحة ويمجّدوا أباكم الّذي في السّماوات"، فإنّه لا يتكلّم على أعمال ظاهرة، بل على شهادة حيّة لحضور الله فينا. الأعمال الصّالحة ليست وسيلةً لمدح الإنسان، بل أداة ليرى نور الله في وجه الإنسان.

كان آباء المجمع السّابع شهودًا للنّور، فلم يخافوا سلطان الملوك ولا تهديد الهراطقة، بل جاهدوا حتّى الدّم لأجل الحقّ. يقول أحد الآباء: "إنّ الّذي يطفئ الأيقونة إنّما يطفئ نور الإنجيل"، لأنّ الأيقونة إنجيل منظور، تعبّر بالألوان عمّا يعلن بالكلمة. الكنيسة، بتكريمها الأيقونة، تكرّم حضور الكلمة في المادّة، وتعلن أنّ الخليقة ليست شرًّا، إنّما أداة للتّقديس، إذ بها يتجلّى الله للعيان.

بولس ذكّر تيطس بأنّ الإيمان يترجم بأعمال حسنة، والمسيح يعلّم تلاميذه أن يكونوا نورًا للعالم، لا يخفون مصباحهم تحت المكيال. كلاهما يدعواننا إلى شهادة الإيمان الفعّال، لا الميت "لأنّ الإيمان بدون أعمال ميّت" (يع 2: 20 ). هكذا لم يحفظ الآباء القدّيسون الإيمان بالكلمات وحسب، بل قدّموه فعلًا وحياة، في الصّلاة والتّعليم واحتمال الآلام إذ "ذاقوا الهزء والجلد والقيود والسّجن، ورجموا، ونشروا، وامتحنوا وقتلوا بحدّ السّيف" كما نقرأ في الرّسالة إلى العبرانيّين (11: 23- 37)، وإذ نكرّمهم اليوم، لا ننظر إليهم كمجموعة لاهوتيّين أو فلاسفة، بل كقدّيسين عاشوا الإيمان واحتملوا كلّ شيء لأجله. عملهم الصّالح الأعظم هو حفظ الإيمان القويم من الانحراف، وحماية المؤمنين من ظلام العقائد. كانوا رعاةً صالحين، يعرفون أنّ الإيمان ليس ملكهم، بل وديعة الكنيسة كلّها، لذلك سلّموه كما تسلّموه، بلا نقصان أو زيادة أو تشويه أو تحريف.

يا أحبّة، نور الآباء لم يكن خارجيًّا، بل هو نور المسيح الّذي أشرق فيهم. الكنيسة الّتي حفظت الأيقونة، حفظت أيضًا صورة الله في الإنسان، لأنّه أيقونة حيّة لله، مخلوق على صورته ومثاله، وهو إناء للرّوح القدس. لذلك عندما نحيا في القداسة، في التّواضع والمحبّة، نعيد إلى هذه الصّورة بهاءها، وحينما نخالف وصايا الرّبّ، نشوّه الأيقونة الّتي فينا. تكريم الأيقونات هو، في جوهره، دعوة إلى استعادة الصّورة الإلهيّة فينا، لنكون نحن أنفسنا أيقونات حيّةً تبرز وجه المسيح. فلنحذّر من أن نكون كالّذين وصفهم الرّسول بولس بأنّهم "بلا ثمر"، أيّ الّذين يكتفون بالقول بلا العمل، أو الّذين يظنّون أنّ الإيمان مجرّد معرفة عقليّة وكلام رنّان. الإيمان القويم حياة تعاش، وصورة تتجلّى، وكلمة تصير فعلًا ونورًا يشرق ولا يخفى. فمن أراد تكريم الآباء حقًّا، عليه العمل بما علّموه، والاقتداء بإيمانهم العميق، وبثباتهم وجهاداتهم من أجل إعلان الحقّ ودحض الباطل. آمين."