الفاتيكان
03 آذار 2021, 14:30

لماذا يحبّ الله الإنسان؟

تيلي لوميار/ نورسات
في المقابلة العامّة، تابع البابا فرنسيس تعليمه حول الصّلاة، متوقّفًا بشكل خاصّ عند دورها في الانفتاح على الثّالوث الأقدس، على بحر محبّة الله الواسع"، فقال بحسب "فاتيكان نيوز":

"في مسيرتنا للتّعليم حول الصّلاة، نريد اليوم والأسبوع المقبل أن نرى كيف تفتحنا الصّلاة، بفضل يسوع المسيح، على الثّالوث الأقدس، على بحر محبّة الله الواسع. إنّ يسوع هو الّذي فتح السّماء لنا وجعلنا في علاقة مع الله. هذا ما أكّده الرّسول يوحنّا في ختام مقدّمة إنجيله: "إِنَّ اللهَ ما رآهُ أَحدٌ قطّ الابنُ الوَحيدُ الَّذي في حِضْنِ الآب هو الَّذي أَخبَرَ عَنه". لم نكن نعرف حقًّا كيف نصلّي: ما هي الكلمات، وما هي المشاعر واللّغات الّتي تناسب الله. وفي ذلك الطّلب الّذي وجّهه التّلاميذ للمعلّم، والّذي غالبًا ما ذكرناه خلال هذه التعاليم، نجد جميع اضطرابات الإنسان ومحاولاته المتكرّرة، والفاشلة أحيانًا، في توجّهه إلى الخالق: "يا ربّ، عَلِّمنا أَن نُصَلِّيَ".

ليست كلّ الصّلوات متشابهة، وليست جميعها ملائمة: يشهد الكتاب المقدّس نفسه على النّتيجة السّيّئة للعديد من الصّلوات، الّتي يتمّ رفضها. ربّما لا يكون الله أحيانًا سعيدًا بصلواتنا ونحن لا نتنبّه حتّى لذلك. إنَّ الله ينظر إلى أيدي الّذين يصلّون: ولكي نطهّرها لا يجب أن نغسلها، وإنّما علينا أن نمتنع عن الأفعال الشّرّيرة. لقد كان القدّيس فرنسيس يصلّي بشكل جذريّ: "لا إنسان أهل للتّفوُّه باسمك".

ولكن ربّما الاعتراف المؤثِّر لفقر صلاتنا قد أزهر على لسان قائد المئة الرّومانيّ الّذي توسّل إلى يسوع ذات يوم أن يشفي خادمه المريض. شعر بأنّه غير ملائم على الإطلاق: لم يكن يهوديًّا، بل كان قائدًا في جيش الاحتلال المكروه. لكن القلق على عبده جعله يتجرّأ، ويقول: "يا رَبّ، لَستُ أَهْلاً لأَن تَدخُلَ تَحتَ سَقفِي، ولكِن يَكْفِي أَن تَقولَ كَلِمَةً فيَبرَأَ خادِمي". إنّها العبارة الّتي نكرّرها نحن أيضًا في كلّ ليتورجيا إفخارستيّة. إنَّ الحوار مع الله هو نعمة: نحن لسنا مستحقّين له، وليس لدينا الحقّ في أن ننصب خيمنا، نحن "نعرج" مع كلّ كلمة وكلّ فكرة... ولكن يسوع هو باب يفتح.

لماذا يحبّ الله الإنسان؟ لا توجد أسباب واضحة، ولا توجد نسبة... حتّى في معظم الأساطير لم نسمع أبدًا عن حالة إله يهتمّ بالشّؤون البشريّة؛ لا بل هي مزعجة ومملّة وغير مهمّة على الإطلاق. حتّى بالنّسبة لأرسطو، لا يمكن لله إلّا أن يفكّر في نفسه. أمّا نحن البشر فنسعى لكي نُثير إعجاب الآلهة ونرضيهم. من هنا واجب "الدّين"، مع موكب التّضحيات وأشكال العبادة الّتي يجب على المرء أن يقدّمها بشكل مستمرّ لكي يعبّر عن شكره لإله صامت وغير مبالي.

لو لم نعرف يسوع، لما تحلّينا بالشّجاعة لكي نصدّق أنّ هناك إله يحبّ الإنسان. إنّها الفضيحة الّتي نجدها منقوشة في مثل الأب الرّحيم، أو في مَثَل الرّاعي الّذي يبحث عن الخروف الضّالّ. لم نكن لنتخيّل قصصًا كهذه، ولا حتّى أن نفهمها، لو لم نلتق بيسوع، فأيّ إله هو مستعدٌّ لكي يموت من أجل البشر؟ أيّ إله يحبّه على الدّوام وبصبر دون أن يدّعي بأنّنا علينا أن نحبّه بالمقابل؟ أيّ إله يقبل غياب امتنان ابن يطلب منه ميراثه مقدّمًا ويترك المنزل ويبذِّر كلّ شيء؟

هكذا يخبرنا يسوع بحياته إلى أيّ مدى يكون الله أبًا . "Tam Pater nemo": لا يوجد أب مثله. فنحن نتخيّل بصعوبة ومن بعيد الحبّ الّذي يحمله الثّالوث الأقدس، وما هي هاوية المحبّة المتبادلة بين الآب والابن والرّوح القدس. إنَّ الأيقونات الشّرقيّة تجعلنا نفهم شيئًا من هذا اللّغز الّذي هو مصدر وفرح الكون بأسره.

وبشكل خاصّ لم يكن من الممكن أن نصدّق أن هذا الحبّ الإلهيّ سوف يتّسع، ويرسو على شواطئنا البشريّة: نحن مرامَ حبٍّ لا مثيل له على الأرض. ويشرح التّعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكيّة: "إنَّ بشريّة يسوع المقدّسة هي الدّرب الّتي من خلالها يعلّمنا الرّوح القدس أن نصلّي إلى الله أبينا". إنّها نعمة إيماننا. ولم يكن بوسعنا حقًّا أن نتمنّى دعوة أسمى: إنّ بشريّة يسوع قد جعلت حياة الثّالوث متاحة لنا. لقد فتح لا بل شرّع لنا هذا الباب لسرّ محبّة الآب والإبن والرّوح القدس."