الفاتيكان
07 تشرين الأول 2022, 06:30

البابا فرنسيس: القدّيسون مؤمنون ينتمون إلى شعب الله الأمين ويدخلون في الحياة اليوميّة

تيلي لوميار/ نورسات
"تزهر القداسة من الحياة الملموسة للجماعات المسيحيّة. فالقدّيسون لا يأتون من "عالم موازٍ"؛ وإنّما هم مؤمنون ينتمون إلى شعب الله الأمين ويدخلون في الحياة اليوميّة المكوَّنة من العائلة والدّراسة والعمل والحياة الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسّياسيّة". هذا ما أكّده البابا فرنسيس في كلمته إلى المشاركين في مؤتمر "القداسة اليوم" الّذي نظّمته دائرة دعاوى القدّيسين، خلال استقبالهم صباح الخميس في القصر الرّسوليّ.

وفي تفاصيل الكلمة، قال البابا بحسب "فاتيكان نيوز": "إنَّ الموضوع الّذي اخترتموه للمؤتمر ينسجم مع الإرشاد الرّسوليّ "إفرحوا وابتهجوا"، الّذي يهدف إلى "جعل صدى الدّعوة إلى القداسة يتردّد مجدّدًا، في محاولة لتجسيدها في السّياق الحاليّ، مع مخاطرها وتحدّياتها وفرصها". هذه الدّعوة هي في صميم المجمع الفاتيكانيّ الثّاني، الّذي خصّص فصلاً كاملاً من الدّستور العقائديّ في الكنيسة نور الأمم للدّعوة الشّاملة إلى القداسة والّذي يؤكّد: "إنَّ جميع المؤمنين في أيّ حالة كانوا مدعوّون من قبل الرّبّ، كلّ على طريقه الخاصّ إلى قداسة كمالها هو كمال الآب السّماويّ". واليوم أيضًا، من الأهمّيّة بمكان اكتشاف القداسة في شعب الله القدّيس: في الآباء الّذين يربّون أبناءهم بمحبّة، وفي الرّجال والنّساء الّذين يقومون بعملهم اليوميّ بالتزام، في الأشخاص الّذين يعانون من حالة مرض، في المسنّين الّذين يستمرّون في الابتسام وفي تقديم حكمتهم. إنّ شهادة السّلوك المسيحيّ الفاضل، الّتي يعيشها اليوم العديد من تلاميذ الرّبّ، هي بالنّسبة لنا جميعًا دعوة لكي نجيب شخصيًّا على الدّعوة لكي نكون قدّيسين.

وسط هذا العدد الهائل من المؤمنين، الّذين وصفتهم بـ"القدّيسين الّذين يعيشون بقربنا"، هناك من تشير إليهم الكنيسة كقدوة وشفعاء ومعلّمين. هؤلاء هم القدّيسون الّذين تمّ إعلان تطويبهم وتمّ إعلان قداستهم والّذين يذكّرون الجميع بأنّ عيش الإنجيل بملئه هو أمر ممكن وجميل. إنَّ القداسة في الواقع، ليست برنامج جهود وتنازلات: وإنّما هي أوّلاً خبرة أن نكون محبوبين من الله وأن ننال مجّانًا محبّته ورحمته. هذه الهبة الإلهيّة تفتحنا على الامتنان وتسمح لنا بأن نختبر فرحًا عظيمًا، ليس مجرّد شعور لحظة أو تفاؤل بشريّ بسيط، وإنّما اليقين بقدرتنا على مواجهة كلّ شيء بالنّعمة والشّجاعة اللّتين تأتيان من الله. بدون هذا الفرح، ينحسر الإيمان إلى مجرّد ممارسة قمعيّة وحزينة؛ ولكن لا يصبح المرء قدّيسًا "بخطم طويل": وإنّما يتطلّب الأمر قلبًا سعيدًا ومنفتحًا على الرّجاء. وعن هذه القداسة الغنيّة بروح الدّعابة يعطينا المثال الطّوباويّ الجديد يوحنّا بولس الأوّل، ويشكّل الطّوباويّ كارلو أكوتيس مثال الفرح المسيحيّ للأطفال والشّباب. ويبنينا على الدّوام بتناقضه الإنجيليّ "الفرح الكامل" للقدّيس فرنسيس الأسيزيّ.

تزهر القداسة من الحياة الملموسة للجماعات المسيحيّة. فالقدّيسون لا يأتون من "عالم موازٍ"؛ وإنّما هم مؤمنون ينتمون إلى شعب الله الأمين ويدخلون في الحياة اليوميّة المكوَّنة من العائلة والدّراسة والعمل والحياة الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسّياسيّة. وفي جميع هذه السّياقات، يسير القدّيس ويعمل دون خوف أو عوائق، ويحقّق إرادة الله في جميع الظّروف. وبالتّالي من الأهمّيّة بمكان أن تكون كلّ كنيسة خاصّة متنبّهة لكي تفهم وتقدّر أمثلة الحياة المسيحيّة الّتي نضجت داخل شعب الله، الّذي لطالما كان لديه "حسًّا" مميّزًا للتّعرّف على نماذج القداسة هذه، شهود الإنجيل المُدهشين. لذلك، من الضّروريّ أن تؤخذ بعين الاعتبار موافقة النّاس حول هذه الشّخصيّات المسيحيّة النّموذجيّة. إنَّ المؤمنين، في الواقع، قد وُهِبوا بالنّعمة الإلهيّة فطنة روحيّة لكي يحدّدوا ويعترفوا بالممارسة البطوليّة للفضائل المسيحيّة في حياة بعض المُعمَّدين. إنّ الاعتراف بالقداسة لا يأتي في المقام الأوّل من التّسلسل الهرميّ وإنّما من المؤمنين. لأنَّ شعب الله، بمختلف مكوّناته، هو رائد الاعتراف بقداسة شخص ما، أيّ الرّأي العامّ والمنتشر بين المؤمنين حول سلامة حياة شخص يُنظر إليه كشاهد للمسيح والتّطويبات الإنجيليّة.

ومع ذلك، من الضّروريّ أن نتحقّق من أن يكون هذا الاعتراف بالقداسة عفويًّا ومستقرًّا ودائمًا ومنتشرًا في جزء كبير من الجماعة المسيحيّة. في الواقع، يكون هذا الاعتراف حقيقيًّا عندما يقاوم تغيّرات العصر، وموضات اللّحظة، ويولد دائمًا نتائج سليمة للجميع، كما نرى في التّقوى الشّعبيّة. في أيّامنا هذه، يمكن للوصول الصّحيح إلى وسائل الإعلام أن يعزّز المعرفة للحياة الإنجيليّة لمرشّح للتّطويب أو التّقديس. ومع ذلك، قد يكون هناك في استخدام الوسائط الرّقميّة، ولاسيّما شبكات التّواصل الاجتماعيّ، خطر الإكراه والغموض الّذي تمليه المصالح غير النّبيلة. لذلك، هناك حاجة إلى تمييز حكيم وفطن لجميع الّذين يهتمّون بجودة الاعتراف بالقداسة. من ناحية أخرى، هناك عنصر يثبت الاعتراف بالقداسة أو الاعتراف بالاستشهاد وهو على الدّوام الاعتراف بالشّفاعة. لأنّه عندما يقتنع المؤمنون بقداسة شخص مسيحيّ، فهم يلجأون- ولو بشكل جماعيّ وعاطفيّ- إلى شفاعته السّماويّة؛ وتمثّل استجابة الله للصّلاة تأكيدًا على هذه القناعة.

أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، إنّ القدّيسين هم لآلئ ثمينة، إنّهم أحياء وآنيّون على الدّوام، ولا يفقدون أبدًا قيمتهم، لأنّهم يمثّلون تفسيرًا رائعًا على الإنجيل. وحياتهم هي مثل تعليم مسيحيّ مصوّر، وإيضاح مصوّر للبشرى السّارّة الّتي حملها يسوع للبشريّة: أنّ الله هو أبانا ويحبّ الجميع بمحبّة كبيرة وحنان لا محدود. لقد كان القدّيس برناردس يقول إنّه فيما كان يفكّر في القدّيسين كان يشعر باتّقاد "رغبات كبيرة" في داخله ليُنِر مثالهم أذهان نساء ورجال زمننا، ويحيي فيها الإيمان، ويحرّك الرّجاء ويوقد المحبّة لكي يشعر كلّ فرد بالانجذاب لجمال الإنجيل ولا يضيع أحد في ضباب الهراء واليأس. أتمنّى أن تساعد دراسات مؤتمركم واهتماماته الكنيسة والمجتمع على فهم علامات القداسة الّتي لا يكفّ الرّبّ أبدًا عن إثارتها، وأحيانًا أيضًا بطرق غير متوقّعة. أشكركم على عملكم! وأوكله إلى الشّفاعة الوالديّة لمريم العذراء سلطانة جميع القدّيسين، وأبارككم من قلبي وأسألكم من فضلكم ألّا تنسوا أن تصلّوا من أجلي."