الفاتيكان
23 أيار 2022, 06:30

البابا فرنسيس: لا يمكننا أن نعطي السّلام ما لم نكن في سلام

تيلي لوميار/ نورسات
عند عبارتي "السّلام أستودعكم" و"سلامي أعطيكم"، توقّف البابا فرنسيس في كلمة روحيّة ألقاها قبيل صلاة "إفرحي يا مكلة السّماء" ظهر الأحد، مضيئًا على هذا السّلام الّذي تحدّث عنه الرّبّ يسوع في العشاء الأخير.

وفي هذا السّياق، قال الأب الأقدس بحسب "فاتيكان نيوز": "في الإنجيل الّذي تقدّمه لنا اللّيتورجيا اليوم، يقول يسوع، وهو يودّع تلاميذه في العشاء الأخير، كنوع من الوصيّة تقريبًا: "السَّلامَ أَستَودِعُكُم". وفي الحال يضيف: "وسَلامي أُعْطيكم"، لنتوقّف عند هاتين الجملتين القصيرتين.

أوّلاً "السَّلامَ أَستَودِعُكُم". يودِّع يسوع تلاميذه بكلمات تعبِّر عن المودّة والصّفاء، ولكنّه يقوم بذلك في لحظة لم تكن هادئة. كان يهوذا قد خرج ليخونه، وبطرس على وشك أن ينكره، وكان الجميع تقريبًا سيتخلّون عنه: كان الرّبّ يعرف ذلك ومع ذلك فهو لا يوبِّخ، ولا يستخدم كلمات صارمة، ولا يلقي خطابات قاسية. وبدلاً من أن يُظهر قلقه، يبقى لطيفًا حتّى النّهاية. هناك مثل يقول إنّنا نموت كما عشنا. والسّاعات الأخيرة ليسوع هي في الحقيقة جوهر حياته كلّها. يشعر بالخوف والألم، لكنّه لا يترك مجالًا للاستياء والاحتجاج. لا يسمح للمرارة أن تسيطر عليه، ولا ينفِّس عن غضبه، ولا يفقد صبره. بل يبقى في سلام، سلام ينبع من قلبه الوديع، الّذي تسكنه الثّقة. ومن هنا يتدفّق السّلام الّذي يتركه لنا يسوع. لأنّه لا يمكن للمرء أن يترك السّلام للآخرين ما لم يكن يحمله في داخله. لا يمكننا أن نعطي السّلام ما لم نكن في سلام.

"السَّلامَ أَستَودِعُكُم": لقد أظهر يسوع أنّ الوداعة ممكنة. وهو قد جسّدها في أصعب اللّحظات، ويريدنا أن نتصرّف بهذه الطّريقة أيضًا، نحن الّذين هم ورثة سلامه. هو يريدنا ودعاء، ومنفتحين وجاهزين للإصغاء، قادرين على نزع فتيل الخلافات ونسج الانسجام. هذه هي الشّهادة ليسوع وهي تساوي أكثر من ألف كلمة والعديد من المواعظ. لنسأل أنفسنا إذا كنّا، في الأماكن الّتي نعيش فيها، نتصرّف نحن تلاميذ يسوع بهذه الطّريقة: هل نخفّف التّوتّرات، هل نضع حدًّا للنّزاعات؟ هل نحن أيضًا في تنافر مع شخص ما، ومستعدّون دائمًا للرّدِّ، والانفجار، أم أنّنا نعرف كيف نردُّ باللّاعنف، بكلمات وتصرُّفات وديعة؟

هذه الوداعة ليست سهلة بالتّأكيد: ما أصعب أن ننزع فتيل الخلافات على جميع المستويات! هنا تأتي جملة يسوع الثّانية لمساعدتنا: سَلامي أُعْطيكم. هو يعلم أنّنا غير قادرين وحدنا على أن نحفظ السّلام، وأنّنا بحاجة إلى مساعدة، وعطيّة. إنَّ السّلام، الّذي هو التزامنا، هو أوّلاً وقبل كلّ شيء عطيّة من الله. ويسوع يقول في الواقع: "سَلامي أُعْطيكم. لا أُعْطي أَنا كما يُعْطي العالَم". ما هو هذا السّلام الّذي لا يعرفه العالم ويعطينا الرّبّ إيّاه؟ إنّه الرّوح القدس، روح يسوع عينه؛ إنّه حضور الله فينا، إنّه "قوة سلام" الله وهو الّذي يجرّد القلب من السّلاح ويملأه بالصّفاء. هو الّذي يذوِّب القساوة ويطفئ تجارب التّهجُّم على الآخرين. وهو الّذي يذكّرنا أنّ هناك إلى جانبنا إخوة وأخوات لا عوائق وأعداء. هو الّذي يمنحنا القوّة لكي نغفر، ونبدأ من جديد، وننطلق مجدّدًا، ومعه نصبح رجال ونساء سلام.

أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، لا ينبغي لأيّة خطيئة أو أيّ فشل أو أيّ حقد أن يثبط عزيمتنا في أن نطلب بإصرار عطيّة الرّوح القدس الّذي يعطينا السّلام. وبالتّالي كلّما شعرنا أنّ قلبنا قلق، كلّما شعرنا بالعصبيّة وعدم التّسامح والغضب في داخلنا، كلّما كان علينا أن نطلب روح السّلام من الرّبّ. لنتعلّم أن نقول كلّ يوم: "يا ربّ، أعطني سلامك، أعطني الرّوح القدس". ولنطلبه أيضًا للّذين يعيشون بقربنا، والّذين نلتقي بهم يوميًّا، ومن أجل قادة الدّول. لتساعدنا العذراء مريم لكي نقبل الرّوح القدس لكي نكون صانعي سلام."

بعد تلاوة صلاة "افرحي يا ملكة السّماء"، حيّا البابا فرنسيس المؤمنين المحتشدين في ساحة القدّيس بطرس وقال: "أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، بعد ظهر اليوم، في ليون، سيتمّ تطويب بولين ماري جاريكوت، مؤسّسة عمل نشر الإيمان، من أجل دعم الرّسالات. هذه المؤمنة العلمانيّة، الّتي عاشت في النّصف الأوّل من القرن التّاسع عشر، كانت امرأة شجاعة، منتبهة لتغيّرات العصر وتتحلّى برؤية شاملة لرسالة الكنيسة. ليولِّد مثالها في الجميع الرّغبة في المشاركة، بالصّلاة والمحبّة، في انتشار الإنجيل في العالم.

يبدأ اليوم أسبوع "كُن مُسبَّحًا" لكي نصغي على الدّوام وبعناية أكبر إلى صرخة الأرض، الّتي تدفعنا لكي نعمل معًا في العناية ببيتنا المشترك. أشكر الدّائرة الفاتيكانيّة المعنيّة بخدمة التّنمية البشريّة المتكاملة والعديد من المنظّمات الّتي تشارك في هذه المبادرة، وأدعو الجميع للمشاركة.

تصادف يوم الثّلاثاء القادم ذكرى الطّوباويّة مريم العذراء معونة المسيحيّين، والّتي يحتفل بها الكاثوليك بشكل خاصّ في الصّين، الّذين يكرّمون العذراء معونة المسيحيّين كشفيعة لهم، في مزار شيشان في شنغهاي، وفي العديد من الكنائس في البلاد وفي منازلهم. تتيح لي هذه المناسبة السّعيدة الفرصة لكي أُجدّد لهم تأكيد قربي الرّوحيّ منهم؛ أتابع باهتمام ومشاركة الحياة والأحداث المعقّدة للمؤمنين والرّعاة وأصلّي يوميًّا من أجلهم؛ وأدعوكم لكي تتّحدوا معي في هذه الصّلاة، لكي تتمكّن الكنيسة في الصّين من أن تعيش، بحرّيّة وطمأنينة، في شركة فعّالة مع الكنيسة الجامعة وتمارس رسالتها في إعلان الإنجيل للجميع، وتقدّم هكذا أيضًا مساهمة إيجابيّة في التّقدّم الرّوحيّ والمادّيّ في المجتمع.

أحيّي جميع الّذين شاركوا في المظاهرة الوطنيّة "نختار الحياة" في روما. أشكركم على التزامكم لصالح الحياة وللدّفاع عن استنكاف الضّمير، الّذي كثيرًا ما يُصار إلى الحدّ من ممارسته. لسوء الحظّ، حدث تغيير في الذّهنيّة المشتركة خلال السّنوات الأخيرة، واليوم نحن نميل بشكل متزايد إلى الاعتقاد بأنّ الحياة هي خير تحت تصرّفنا بالكامل، ويمكننا أن نختار أن نتلاعب بها فنولِّد ونُميتَ كما يحلو لنا، كنتيجة حصريّة لخيار الفرديّ. لنتذكر أنّ الحياة هي هبة من الله! وهي على الدّوام مقدّسة وغير قابلة للانتهاك، ولا يمكننا أن نسكِتَ صوت الضّمير".