الفاتيكان
29 آب 2022, 09:30

البابا فرنسيس: لنرفع صلاتنا إلى العذراء لكي تنال المغفرة والسّلام للعالم أجمع

تيلي لوميار/ نورسات
وصل البابا فرنسيس صباح الأحد إلى مدينة أكويلا في زيارة راعويّة، حيث كان في استقباله، في السّاحة المقابلة لكاتدرائيّة القدّيسين ماكسيموس وجاورجيوس، رئيس الأساقفة الكاردينال جوزيبيه بيتروكّي، ورئيس إقليم أبروتسو ماركو مارسيليو، ومحافظ أكويلا شينسيا تيريزا تورّاكو بالإضافة إلى عمدة المدينة بيرلويجي بوندي.

بعد تحيّة السّلطات الدّينيّة والمدنيّة دخل البابا برفقة الكاردينال بيتروكي إلى الكاتدرائيّة الّتي ما تزال تحمل آثار الزّلزال المدمّر عام 2009، ولدى خروجه التقى بعدد من أقرباء ضحايا الهزّة الأرضيّة، وببعض سكّان المدينة والممثّلين عن السّلطات.

كما ترأّس القدّاس الإلهيّ عند العاشرة صباحًا في ساحة بازيليك القدّيسة مريم في كوليماجيو، حيث كانت له عظة قال فيها بحسب "فاتيكان نيوز": "القدّيسون هم تفسير رائع للإنجيل، وحياتهم هي وجهة النّظر المميّزة الّتي يمكننا من خلالها أن نرى البشرى السّارّة الّتي جاء يسوع ليعلنها، أيّ أنّ الله هو أبونا وأنّ كلّ واحد منّا هو محبوب منه. هذا هو قلب الإنجيل، ويسوع هو الدّليل على هذا الحبّ، تجسّده، ووجهه.

نحتفل اليوم بالإفخارستيّا بيوم مميّز لهذه المدينة ولهذه الكنيسة: الغفران الكامل للبابا شيليستينوس الخامس. يبدو أنّ هذا الرّجل قد أدرك تمامًا ما سمعناه في القراءة الأولى: "إِزْدَدْ تَواضُعًا ما ازدَدْتَ عَظَمَة، فتَنالَ حُظوَةً لَدى الرَّب". نتذكّر بشكل خاطئ صورة البابا شيليستينوس الخامس كالّذي قام برفض شديد، وفقًا لتعبير دانتي في الكوميديا الإلهيّة؛ لكن شيليستينوس الخامس لم يكن رجل الـ"لا"، وإنّما رجل الـ"نعم". في الواقع، لا توجد طريقة أخرى لتنفيذ إرادة الله إلّا من خلال اعتماد قوّة المتواضعين. ولأنّهم كذلك، يظهر المتواضعون في عيون البشر ضعفاء وخاسرين، لكنّهم في الواقع هم الرّابحون الحقيقيّون، لأنّهم الوحيدين الّذين يثقون بالرّبّ تمامًا ويعرفون إرادته. فهو في الواقع "بِالمُتَواضِعينَ يُمَجَّد". بروح العالم، الّتي تسودها الكبرياء، تدعونا كلمة الله اليوم لكي نكون متواضعين وودعاء. إنَّ التّواضع لا يقوم على التّقليل من قيمة الذّات، وإنّما في تلك الواقعيّة السّليمة الّتي تجعلنا ندرك إمكانيّاتنا وبؤسنا أيضًا. وانطلاقًا من بؤسنا بالتّحديد، يجعلنا التّواضع نحيد نظرنا عن أنفسنا لنحوّله إلى الله، القادر على كلّ شيء والّذي ينال لنا أيضًا ما لا نستطيع أن نحصل عليه بأنفسنا. "كلّ شيء ممكن للّذي يؤمن".

إنَّ قوة المتواضعين هي الرّبّ، لا الاستراتيجيّات، والوسائل البشريّة، ومنطق هذا العالم. بهذا المعنى، كان البابا شيليستينوس الخامس شاهدًا شجاعًا للإنجيل، إذ لم يتمكّن أيّ منطق للسّلطة من أن يسجنه ويديره. فيه نُعجب بكنيسة حرّة من المنطق الدّنيويّ وشاهدة بشكل كامل لاسم الله الّذي هو الرّحمة. هذا هو قلب الإنجيل، لأنّ الرّحمة هي أن نعرف أنّنا محبوبون في بؤسنا. أن يكون المرء مؤمنًا لا يعني أن نقترب من إله مظلم ومخيف. وقد ذكّرتنا بذلك الرّسالة إلى العبرانيّين: "إِنَّكُم لَم تَقتَرِبوا مِن شَيءٍ مَلموس: نارٍ مُستَعِرَةٍ وَضَبابٍ وَظَلامٍ وَإِعصار، وَنَفخٍ في البوق وَصَوتِ كَلامٍ طَلَبَ سامِعوهُ أَلّا يُزادوا مِنهُ لَفظَة". لقد اقتربنا، أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، من يسوع، ابن الله، الّذي هو رحمة الآب والحبّ الّذي يخلّص. لقرون، حافظت لاكويلا على العطيّة الّتي تركها لها البابا شيليستينوس الخامس. إنّه شرف تذكير الجميع بأنّه بالرّحمة، وبها فقط، يمكن لحياة كلّ رجل وامرأة أن تُعاش بفرح. الرّحمة هي خبرة أن نشعر بأنّنا مقبولين وقد تمَّ إنهاضنا مجدّدًا وتعزيزنا وشفاءنا وتشجيعنا. أن يُغفر لنا هو أن نختبر هنا والآن ما هو أقرب إلى القيامة. المغفرة هي الانتقال من الموت إلى الحياة، من خبرة الألم والذّنب إلى خبرة الحرّيّة والفرح. لتكن هذه البازيليك على الدّوام مكانًا يمكننا فيه أن نتصالح مع بعضنا البعض، ونختبر تلك النّعمة الّتي تعيدنا للوقوف على أقدامنا وتعطينا فرصة أخرى. ولتكن مكانًا للمغفرة، لا مرّة واحدة في السّنة وحسب، وإنّما على الدّوام. هذه هي في الواقع، الطّريقة الّتي يُبنى بها السّلام من خلال المغفرة الّتي ننالها ونمنحها.

أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، لقد عانيتم كثيرًا بسبب الزّلزال، وكشعب أنتم تحاولون أن تنهضوا وتقفوا مجدّدًا على أقدامكم؛ لكن يجب على الّذي تألّمَ أن يكون قادرًا على أن يغتني من ألمه، عليه أن يفهم أنّه في الظّلام الّذي اختبره قد أُعطيت له أيضًا عطيّة فهم آلام الآخرين. يمكنكم أن تحرسوا عطيّة الرّحمة لأنّكم تعرفون معنى أن تفقدوا كلّ شيء، وأن تروا انهيار ما قد بنيتموه وأن تتركوا أكثر ما كان عزيزًا عليكم وتشعروا بفجوة غياب الّذين أحببتموهم. يمكنكم أن تحافظوا على الرّحمة لأنّكم قد اختبرتم البؤس. يمكن لأيّ شخص في الحياة، بدون أن يعيش بالضّرورة خبرة الزّلزال، أن يختبر "زلزال الرّوح"، الّذي يضعه في اتّصال مع هشاشته ومحدوديّته وبؤسه. في هذه الخبرة يمكن للفرد أن يفقد كلّ شيء، لكن يمكنه أيضًا أن يتعلّم التّواضع الحقيقيّ. في مثل هذه الظّروف، يمكن للمرء أن يسمح للحياة أن تحوِّله إلى شخص شرِّير أو يمكنه أن يتعلّم الوداعة. لذلك فالتّواضع والوداعة هما ميزتي من لديه واجب أن يحافظ على الرّحمة ويشهد لها. ولكن هناك جرس إنذار يخبرنا ما إذا كنّا نسلك الطّريق الخطأ، وإنجيل اليوم هو الّذي يذكّرنا بذلك. دُعي يسوع لتناول الغداء في منزل أحد الفرّيسيّين ولاحظ بدقّة كيف أنَّ كثيرين يركضون لشغل أفضل المقاعد على الطّاولة. وهذا الأمر منحه الفرصة لكي يضرب مثلاً لا يزال يصلح لنا اليوم أيضًا: "إِذا دُعيتَ إِلى عُرس، فَلا تَجلِس في المَقعَدِ الأَوّل، فَلَرُبَّما دُعِيَ مَن هُوَ أَكرَمُ مِنكَ. فَيَأتي الَّذي دَعاكَ وَدَعاهُ فَيَقولُ لَكَ: أَخلِ المَوضِعَ لِهَذا. فَتَقومُ خَجِلًا وَتَتَّخِذُ المَوضِعَ الأَخير". في كثير من الأحيان، يفكّر المرء بأنّ قيمته ترتبط بالمنصب الّذي يشغله في هذا العالم. ولكنَّ الإنسان ليس بالمنصب الّذي يشغله، وإنّما بالحرّيّة الّتي يتمتّع بها والّتي يظهرها بالكامل عندما يتَّخِذُ المَوضِعَ الأَخير، أو عندما يُحفظ له مكان على الصّليب. إنَّ المسيحيّ يعرف أنّ حياته ليست مهنة على طريقة هذا العالم، بل مهنة على طريقة المسيح، الّذي سيقول عن نفسه أنّه جاء ليَخدُم ولا ليُخدَم. إذا لم نفهم أنَّ ثورة الإنجيل تقوم كلّها في هذا النّوع من الحرّيّة، سنستمرّ في مشاهدة الحروب والعنف والظّلم، جميع هذه الأمور الّتي ليست أكثر من أعراض خارجيّة لغياب الحرّيّة الدّاخليّة. حيث لا توجد حرّيّة داخليّة تشُقُّ الأنانيّة والفرديّة والمصلحة والقمع طريقها.

أيّها الإخوة والأخوات، لتكُن لاكويلا حقًّا عاصمة المغفرة والسّلام والمصالحة! ولتعرف كيف تقدّم لكلّ شخص ذلك التّحوّل الّذي تُنشده مريم في نشيدها: "حطّ الأقوياء عن العروش ورفع الوضعاء"، وما ذكّرنا به يسوع في إنجيل اليوم: "مَن رَفَعَ نَفسَه وُضِع، وَمَن وَضَعَ نَفسَهُ رُفِع". وإلى مريم، الّتي تكرّمونها بلقب خلاص شعب لاكويلا، نريد أن نوكل قصدنا بأن نعيش بحسب الإنجيل. لتنل شفاعتها الوالديّة المغفرة والسّلام للعالم أجمع."

في ختام الذّبيحة الإلهيّة، تلا البابا فرنسيس صلاة التّبشير الملائكيّ، وقبل الصّلاة ألقى كلمة قال فيها: "في نهاية هذا الاحتفال، نتوجّه إلى العذراء مريم في صلاة التّبشير الملائكيّ؛ ولكن أودّ أوّلاً أن أحيّيكم جميعًا أنتم الّذين شاركتم في هذا الاحتفال وكذلك الّذين اضطروا إلى القيام بذلك عن بُعد، في المنزل أو في المستشفى أو في السّجن. أشكر السّلطات المدنيّة على حضورها وعلى المجهود التّنظيميّ. أتقدّم بخالص الشّكر إلى الكاردينال رئيس الأساقفة والأساقفة الآخرين، والكهنة، والمكرّسين والمكرّسات، والعائلات والجوقة وجميع المتطوّعين، وكذلك إلى قوى الأمن والحماية المدنيّة.

في هذا المكان الّذي عانى من كارثة شديدة، أودّ أن أؤكّد قربي من شعب الباكستان المتضرّر من فيضانات ذات أبعاد كارثيّة، وأصلّي من أجل الضّحايا الكثيرين والجرحى والمشرّدين، ولكي يكون التّضامن الدّوليّ مُستعدًّا وسخيًّا. والآن لنرفع صلاتنا إلى العذراء لكي، وكما قلت في نهاية العظة، تنال المغفرة والسّلام للعالم أجمع. لنصلِّ من أجل الشّعب الأوكرانيّ وجميع الشّعوب الّتي تعاني من الحروب. وليحيي إله السّلام في قلوب مسؤولي الأمم الحسّ الإنسانيّ والمسيحيّ للشّفقة والرّحمة. يا مريم، أمَّ الرّحمة وملكة السّلام، صلّي لأجلنا!".