الفاتيكان
26 أيار 2020, 14:00

البابا فرنسيس يكتب "بنظرة يسوع"

تيلي لوميار/ نورسات
نشرت مكتبة ودار النّشر الفاتيكانيّة كتابًا جديدًا بعنوان "مختلفون ومتّحدون" يتضمّن نصًّا لم يُنشر للبابا فرنسيس، حول العلاقات البشريّة بعنوان "بنظرة يسوع"، وتقديمًا لرئيس أساقفة كانتربوري الأنغليكانيّ جاستن ويلبي.

وفي التّفاصيل، وبحسب "فاتيكان نيوز"، "يتحدث الأب الأقدس في هذا النّصّ عن لقاءات يسوع العديدة والّتي أنارتها النّظرة ذاتها المفعمة بالمحبّة إزاء كلّ إنسان، نظرة كانت أيضًا تلك الّتي وجّهها يسوع إلى يهوذا الّذي خانه، بل وقد تحدّث إليه يسوع مستخدمًا كلمة "يا صديقي"، وإلى بطرس الّذي أنكره، وإلى بيلاطس. نظرة نجد صعوبة في فهمها، يقول البابا فرنسيس، نظرة نميّز فيها الإيمان المسيحيّ الّذي يتأسّس على أنّ الله محبّة، وهو أساس له تبعات عديدة ويغيّر كيفيّة كون المسيحيّ في العالم. يتحدّث الأب الأقدس في هذا النّصّ من جهة أخرى عن الاستعداد للإصغاء إلى الآخر باعتبار هذا أساس أيٍّ من أشكال التّواصل، وبدون نظرة المحبّة هذه يمكن لأيّ تواصل بين البشر أو حوار بين الأشخاص أن يصبح مجرّد مواجهة جدليّة، بينما تكشف تلك النّظرة أنّ هناك شيئًا مختلفًا، أنّ ليس الشّيء المركزيّ هو الاستحقاق، بل جوهر الحياة في حدّ ذاته، حياتي وحياة الآخر.

هذا ويتوقّف البابا فرنسيس في هذا النّصّ عند تفصيلة يعتبرها أساسيّة نجدها في إنجيل القدّيس مرقس حين يحدّثنا عن لقاء يسوع الشّابّ الغنيّ، حيث كتب الإنجيليّ "فحَدَّقَ إِليهِ يسوع فأَحبَّه". وتابع الأب الأقدس أنّه وبشكل خاصّ في المجتمعات الغربيّة يبدو أنّه لم يعد هناك وجود في الحياة اليوميّة لفعل "حدَّق"، للتّأمّل، فلا أحد يحدِّق إلى الآخر، بل وإن حدث هذا فيبدو أمرًا مثيرًا الانزعاج ويكون ردّ الفعل وكأنّنا أمام خطر. لقد فُقد هكذا نظر أحدنا إلى عينَي الآخر مُوقِفًا للحظة اللّهاث الّذي نخضع له. وتابع البابا أنّه تمنّى خلال عودته من زيارته الرّسوليّة إلى آسيا أن يستعيد الغرب ما في الشّرق ممّا وصفه بحسّ شاعريّ، في إشارة إلى التّأمّل والتّوقّف ليمنح الشّخص نفسه لحظة من التّأمّل إزاء ذاته وإزاء الآخرين كعلامةِ مجّانيّة، فبدون هذا الشّيء الإضافيّ الشّاعريّ، بدون هذه الهبة، بدون هذه المجّانيّة، لا يمكن أن يولد لقاء حقيقيّ، ولا تَواصل إنسانيّ بالفعل.

ومن النّقاط الأخرى الّتي يتوقّف عندها تأمّل البابا فرنسيس في هذا النّصّ الّذي لم يُنشر من قبل، والّذي يتضمّنه الكتاب الجديد الصّادر عن المكتبة ودار النّشر الفاتيكانيّة بعنوان "مختلفون ومتّحدون"، هناك العلاقة بين الاتّصال والشّركة، فالأشخاص يتواصلون لا فقط لتبادل المعلومات بل وأيضًا سعيًا إلى بناء شركة. على الكلمات بالتّالي أن تكون كما الجسور الّتي تُمد لتقريب المواقف المختلفة، وتشكيل أرضيّة مشتركة ومكان لقاء وحوار ونمو. إلّا أنّ هذا التّقارب يشترط الاستعداد للإصغاء بصبر إلى موقف الآخر، وقال الأب الأقدس في هذا السّياق إنّه في التّواصل يقدّم أحدنا نفسه للآخر، وأنّ التّحديق إلى الآخر يعني أيضًا قبول أن يحدَّق إلينا، أن يُنظر إلينا. يجب بالتّالي أن تتميّز كلّ فرصة تَواصل بالعمل على عيشها كلقاء حقيقيّ لا سطحيّ، لقاء منفتح على حوار مثمر. وفي حديثه عن الحوار أكّد البابا فرنسيس أنّه يتطلّب هويّة لا يمكن التّنازل عنها أمام الآخر لنيل رضاه، ولكنّه يتطلب من جهة أخرى شجاعة الغيريّة الّتي تقود إلى الاعتراف الكامل بالآخر، بحرّيّته. فبدون الحرّيّة لا نعود أبناء العائلة البشريّة بل نصبح عبيدًا.

ويعود البابا فرنسيس مجدّدًا إلى كلمات الإنجيل "فحَدَّقَ إِليهِ يسوع فأَحبَّه"، ويقول إنّ يسوع ينظر إلى الآخر كشخص، هبة، كائن أراد الله خلقه بمحبّة. وفي نظرة المحبّة هناك أيضًا بُعد الحرّيّة، فالمحبّة هي ممكنة في الحرّيّة فقط، والمحبّة الحقيقيّة تجعل وتدع الآخرين أحرار. وحين ينظر يسوع إلى الشّاب، واصل قداسة البابا، فإنّه لا يعاينه ليرى نقاط ضعفه، بل يتأمّل فيه كما لو كان قد خرح للتّوّ من يدَي الله الآب الخالقتين. يسوع يحبّه، ويدعوه إلى تجاوز كلّ سجون وجراح الماضي. ويختتم البابا فرنسيس راجيًا أن تَثبت نظرة يسوع هذه في حياتنا، وأن تكون لدينا النّظرة ذاتها حين نتواصل مع الآخرين، نظرة يسوع الّذي يحدِّق إلينا بعينَي المحبّة المجّانيّة والسّخيّة وصولاً إلى هبة الذّات بالكامل".