الفاتيكان
03 كانون الثاني 2022, 12:15

البابا فرنسيس يوكل العام 2022 إلى مريم أمّ الله

تيلي لوميار/ نورسات
تلا البابا فرنسيس مع بداية السّنة الميلاديّة الجديدة صلاة التّبشير الملائكيّ ليومين متتاليين: السّبت لمناسبة احتفال الكنيسة بعيد مريم أم الله في الأوّل ك2/ يناير، والأحد لمناسبة الأحد الأوّل من العام 2022.

فيوم السّبت، وقبل الصّلاة، ألقى البابا فرنسيس كلمة روحيّة على مسامع الحجّاج، قال فيها بحسب "فاتيكان نيوز": "نبدأ العام الجديد ونوكله إلى مريم أمِّ الله. يتحدّث عنها الإنجيل الّذي تقدّمه اللّيتورجيا اليوم ويعيدنا مجدّدًا إلى سحر مغارة الميلاد. ذهب الرّعاة مسرعين إلى المغارة وماذا وجدوا؟ وجدوا- يقول النّصّ- "مريمَ ويوسُف، والطِّفلَ مُضْجَعًا في المِذوَد". لنتوقّف عند هذا المشهد ونتخيّل مريم الّتي، كأمّ حنونة قد وضعت يسوع للتّوّ في المذود. في تصرُّفها هذا يمكننا أن نرى عطيّة تُعطى لنا: فالعذراء لا تحتفظ بابنها لنفسها، ولكنّها تقدّمه لنا؛ وهي لا تضمُّه بين ذراعيها وحسب، بل تضعه في المذود لكي تدعونا لكي ننظر إليه ونقبله ونعبده. ها هي أمومة مريم: الابن الّذي ولد تقدِّمه لنا جميعًا.

وبوضعه أمام أعيننا، دون أن تقول أيّة كلمة، هي تُعطينا رسالة رائعة: إنَّ الله قريب وهو في متناول اليد. لا يأتي بقوّة الّذين يريدون أن نخافهم، وإنّما في هشاشة الّذين يطلبون أن نحبّهم؛ هو لا يحكم علينا من أعلى العرش، وإنّما ينظر إلينا من الأسفل كأخ، لا بل كابن. لقد ولد صغيرًا ومعوزًا لكي لا يخجل أحد من نفسه بعد الآن: لأنّه عندما نختبر ضعفنا وهشاشنا، يمكننا أن نشعر بأنّ الله أقرب، لأنّه جاء إلينا هكذا ضعيفًا وهشًّا. إنّه الله- الطّفل الّذي وُلِد لكي لا يستبعد أحدًا. وإنّما ليجعلنا جميعًا إخوة وأخوات.

هوذا العام الجديد يبدأ مع الله الّذي، وهو بين ذراعي الأمّ ومضجعًا في مذود، يشجّعنا بحنان. نحن بحاجة إلى هذا التّشجيع. لا زلنا نعيش في مرحلة غير مستقرّة وصعبة بسبب الوباء. كثيرون يخافون من المستقبل وتُثقِّلهم المواقف الاجتماعيّة والمشاكل الشّخصيّة والأخطار الّتي تأتي من الأزمة البيئيّة والظّلم والاختلالات الاقتصاديّة العالميّة. بالنّظر إلى مريم وابنها بين ذراعيها، أفكّر في الأمّهات الشّابّات وأطفالهنّ الّذين يفرّون من الحروب والمجاعات أو ينتظرون في مخيّمات اللّاجئين. وبالتّأمّل في مريم الّتي وضعت يسوع في المذود، وجعلته في متناول الجميع، نتذكّر أنّ العالم يتغيّر وحياة الجميع تتحسّن فقط إذا وضعنا أنفسنا في تصرُّف الآخرين، دون أن ننتظر أن يبدؤوا هم أوّلاً. إذا أصبحنا صانعي أخوَّة، فسنتمكّن من أن ننسج مجدّدًا خيوط عالم مزّقته الحروب وأعمال العنف.

يُحتفل اليوم باليوم العالميّ للسّلام. السّلام هو في الوقت عينه عطيّة من علوّ وثمرة التزام مشترك. عطيّة من علوّ: علينا أن نطلبها من يسوع، لأنّنا وحدنا لا نستطيع الحفاظ عليها. يمكننا أن نبني السّلام حقًّا فقط إذا كنّا نملكه في قلوبنا، وإذا نلناه فقط من أمير السّلام. لكن السّلام هو أيضًا التزامنا: يطلب منّا أن نقوم بالخطوة الأولى، ويتطلّب مبادرات ملموسة. هو يُبنى من خلال التّنبُّه للأخيرين وتعزيز العدالة وشجاعة المغفرة الّتي تطفئ نار الحقد والكراهيّة. وهو يحتاج أيضًا إلى نظرة إيجابيّة: أن ننظر دائمًا- في الكنيسة كما في المجتمع- لا إلى الشّرّ الّذي يفرِّقنا، بل إلى الخير الّذي يمكنه أن يوحّدنا! لا يفيدنا أن نستسلم ونتذمّر وإنّما أن نُشمِّر عن سواعدنا لكي نبني السّلام. لتَنَل لنا أمّ الله، ملكة السّلام، في بداية هذا العام الوفاق والتّناغم لقلوبنا وللعالم أجمع."

أمّا ظهر الأحد فتوقّف البابا قبيل صلاة التّبشير عند ما وصفها بجملة جميلة نتلوها دائمًا في صلاة التّبشير وتكشف بمفردها معنى الميلاد: "والكَلِمَةُ صارَ بَشَرًا فسَكَنَ بَينَنا" (يوحنّا 1، 14). وتابع: "إنّ هذه الكلمات تتضمّن تناقضًا وتجمع واقعين مختلفين: الكلمة والجسد. فالكلمة تعني أنّ يسوع هو كلمة الآب الأبديّة، اللّانهائيّة، الموجودة منذ البداية قبل كلّ ما خُلق. أمّا الجسد فيشير إلى واقعنا الّذي خُلق، الضّعيف والمحدود والنّهائيّ."  

وواصل البابا فرنسيس متحدّثًا عن "وجود عالمين منفصلين قبل يسوع، السّماء مقابل الأرض، اللّانهائيّ مقابل النّهائيّ، الرّوح مقابل المادّة. ويشير إنجيل القدّيس يوحنّا إلى اختلاف آخر، النّور مقابل الظّلمات، إنّ الله نور وليس فيه عتمة بل فينا نحن هناك ظلمات كثيرة. وبيسوع يلتقي النّور والظّلمات، القداسة والذّنب، النّعمة والخطيئة. تجسُّد يسوع هو مكان اللّقاء بين الله والبشر، بين النّعمة والخطيئة.

إنّ الإنجيل يريد هكذا أن يعلن لنا أمرًا رائعًا، ألا وهو أسلوب عمل الله. فأمام هشاشتنا لا يتراجع الرّبّ ولا يبقى في أبديّته ونوره اللّامتناهي، بل يقترب ويصير جسدًا، يهبط إلى الظّلمات، يسكن أراضٍ غريبة بالنّسبة له. ويفعل هذا لأنّه لا يستسلم أمام احتمال أن نضلّ سائرين بعيدين عنه، عن الأبديّة، عن النّور. ها هو عمل الله، أن يأتي بيننا، وإن اعتبرنا أنفسنا غير جديرين بذلك فلا يوقفه هذه، وإن رفضناه فلا يكلّ عن البحث عنّا، وإن لم نكن جاهزين ومستعدّين لاستقباله فإنّه يفضِّل أن يأتي في كلّ الأحوال، إن أغلقنا الباب في وجهه فإنّه ينتظر، فهو الرّاعي الصّالح. الكلمة صار جسدًا ليقاسمنا حياتنا، هو الرّاعي الصّالح الّذي يأتي ليبحث عنّا حيثما نكون، في مشاكلنا، في بؤسنا".

توقّف البابا فرنسيس بالتّالي عند "المسافة الّتي نضعها بيننا وبين الله لاعتقادنا بأنّنا لسنا جديرين به. وهذا صحيح، إلّا أنّ الميلاد يدعونا إلى أن نرى الأمور من وجهة نظر الله، فهو يريد أن يتجسّد. وإن كان قلبك يبدو لك ملوَّثًا كثيرًا بالشّرّ، متخبّطًا، فلا تنغلق على ذاتك، لا تخف، فلتفكّر في مذود بيت لحم، فهناك وُلد يسوع، في ذلك الفقر، ليقول لك إنّه لا يخشى أن يزور قلبك، أن يسكن حياة سيئة الأوضاع. يسكن، فعل نراه في إنجيل اليوم، يعبِّر عن تقاسم كلّيّ وحميميّة كبيرة، هذا ما يريد الله، أن يسكن معنا، أن يسكن فينا، ألّا يكون بعيدًا.

وماذا عنّا؟ هل نريد أن نوفّر له فسحة؟ نعم بالكلمات ولكن ماذا عن الشّكل الملموس؟ قد تكون هناك جوانب في الحياة نحتفظ بها لأنفسنا وفسحات داخليّة نخشى أن يدخلها الإنجيل، لا نريد أن نشرك فيها الله". ودعا بالتّالي الجميع إلى التّصرّفات الملموسة، وقال: "إنّ لكلّ منّا خطاياه الّتي لا تخيف الله، فقد جاء ليداوينا، فلنريه إيّاها على الأقلّ، فلتكن لدينا شجاعة أن نقول يا ربّ، هذا هو وضعي. من المفيد لنا في أيّام الميلاد هذه أن نستقبل الرّبّ في تلك الفسحات تحديدًا. كيف؟ على سبيل المثال بالتّوقّف أمام المذود لأنّه يرينا يسوع الّذي يأتي ليسكن كامل حياتنا الملموسة، العاديّة، والّتي لا يسير فيها كلّ شيء بشكل جيّد وهناك مشاكل كثيرة: الرّعاة الّذين يعملون بمشقّة، هيرودس الّذي يهدّد الأبرياء، الفقر الشّديد. ولكن وسط هذا كلّه هناك الله الّذي يريد أن يسكن معنا وينتظر أن نقدّم له أوضاعنا، ما نعيش. فلنتكلّم أمام المذود إذًا إلى يسوع عن أوضاعنا المحدّدة، فلندعوه رسميًّا إلى حياتنا، وفي المقام الأوّل إلى الفسحات المظلمة، في مذودنا الدّاخليّ. فلنروِ له أيضًا بدون خوف مشاكل زمننا الاجتماعيّة والكنسيّة، لأنّ الله يحبّ أن يسكن في مذاودنا."

وأنهى البابا كلمته متضرّعًا "كي تساعدنا أمّ الله، الّتي صار فيها الكلمة جسدًا، على إنماء حميميّة أكبر مع الرّبّ".