العراق
04 حزيران 2021, 09:30

البطريرك ساكو: رهباننا وراهباتنا الى أين ماضون؟

تيلي لوميار/ نورسات
مع التّراجع في الحياة الرّهبانيّة لأسباب عديدة، وجّه بطريرك بابل للكلدان مار لويس روفائيل ساكو إلى الرّهبان والرّاهبات نداءً "خاصًّا وصريحًا"، متسائلاً إلى أين هم ماضون؟ فكتب بحسب إعلام البطريركيّة:

"رهبانُنا وراهباتُنا إلى أينَ ماضون؟ سؤالٌ طالما يراودني كمسؤول عن الكنيسة الكلدانيّة، نظرًا للمكانة الّتي يشغلونها في الكنيسة، مِمَّا يدفعني أن أتوجّه إليهم بنداءٍ خاصٍّ وصريح.

أجل وبكلّ صراحة، إخوتي وأخواتي، إنّنا نشاهد تراجعًا في حياة الرّهبان والرّاهبات عمومًا. يعود ذلك إلى قصورِ التّنشئة، لكن أيضًا بسبب اختراق روح العالم (العلمنة- العولمة) فكرهم وأديرتهم، بالرّغم من تأكيد يسوع "ليسوا من العالم كما أنّي لست من العالم" (يوحنّا 17/). هناك حاجة للتّمييز بين ما هو من الله وما ليس منه، للتّفاعل والانتعاش والتّجدّد.

أتساءل: أين هي الدّعوات اليوم في رهبانيّاتنا الرّجاليّة والنّسائيّة؟ كم مبتدئ ومبتدئة يوجد لديهم؟ وإلى أيّ حدٍّ الدّعوات هي هاجسهم الأكبر، أحيانًا نشاهد أنّ الهاجس الأكبر هو للبناء والمؤسّسات.

لماذا عدد الرّهبان الهرمزديّين الّذين انعتقوا من الدّير للعمل في الكنائس الرّعويّة أكبر من عدد الباقين في الدّير! أليس هذا خلل، وعلى رئاسة الدّير معالجته؟

هذه بعض مؤشّرات:

قال لي أحد الرّهبان إنّ الدّير هو مجرّد خان أعود إليه للطّعام والمبيت. آخرون وأخريات يستميتون للحصول على جنسيّة دولة أجنبيّة! أو يقومون بعمليّات تجميل وترشيق.

إلى ما تدلّ هذه المؤشّرات؟

إنّها تدلّ على منطق العالم الّذي أشار إليه يسوع وليس منطق الله الّذي هو في بناء الجمال الرّوحيّ الباطنيّ، وليس البدنيّ الخارجيّ! سؤالي هو إلى أين يريدون أن يصلوا؟

أعتقد أنّه من الأهمّيّة بمكان استعادة الانضباط (إصلاح العناصر غير المنضبطة أو إخراجها من الدّير) والالتزام بقواعد الحياة الرّهبانيّة وضرورة التّنشئة السّليمة والمستدامة. هذا الإصلاح المنشود سوف يُنمّي الدّعوات.

لا أنكر وجود أشخاص في الرّهبانيّات هم مثال التزام صادق ومؤثّر في الرّهبانيّة. إنّهم بركة للدّير والكنيسة، أسأل الله أن يديمهم.

الرّهبنة مشروع تلمذة على يسوع

دعوة الرّاهب أو الرّاهبة سرٌّ خفيٌّ في قلبه. إنجذابٌ إلى المسيح، حرٌّ وواعٍ، بلا ضغطٍ وإكراه. إتّباعٌ يهدف إلى مرافقة يسوع بفرح، والتّلمذة له بصدق وامتلاء قلب المكرَّس.

هذا الاختيار– العلاقة الحميميّة– هو بمثابة جوهرة نادرة لا أثمن منها في الدّنيا، وجدها من يبتغي الرّهبنة، فتخلّى عن كلِّ شيء بحبّ عظيم وحماسةٍ لاقتنائها (متّى 13/44). هذه الجوهرة ܡܪܓܢܝܬܐ هي المسيح، أرض ميعادنا. هذا ما ينبغي أن يسعى الرّاهب والرّاهبة لتجسيده في سلوكه اليوميّ بثقة. إذًا ما يعيشه الرّاهب أو الرّاهبة ليس فرضًا– قانونًا يطبّقه، إنّما هو انجذابٌ وإعجابٌ وشغفٌ للتّوجّه كلّيًّا إليه عبر عيش نذور الفقر والطّاعة والعفّة. إنّي لا أدّعي أنّ الانخراط في الرّهبنة أو الكهنوت أمر سهل. لا ليس كذلك، بل هو باب ضيِّق كما يصفه يسوع (متّى 7/13). لا بدّ من الاجتهاد للدّخول إليه، لأنّه سرّ فصح المسيح: موته وقيامته.

الله يدعو، والرّاهب هو المُستلم، والمُصغي والمطيع. عليه أن يعود  دومًا إلى من أرسله، أيّ إلى الينبوع.

رتبة العهد المؤثّرة

كم هو جميلٌ ومؤثّرٌ عندما أسال راهبًا أو راهبة بمناسبة احتفاله بنذوره: ماذا تريد؟

إليكم نموذج احتفال الرّاهبات بنات مريم الكلدانيّات:

المحتفل: ماذا تطلبن وأنتنّ ساجدات أمام مذبح الرّبّ؟

الرّاهبات: أن نُعطَى الثّوب الرّهبانيّ بمراحم الرّبّ وكنيستِه.

المحتفل: هل فكّرتُنَّ بعمق ماذا يتطلّب منكنَّ هذا الاتِّشاح بالثّوب الرّهبانيّ من تجرُّد ونكران الذّات واتّباع المخلّص، والطّاعة التّامة بكلّ وعيكنَّ وحرّيّتكنَّ؟

الرّاهبات: نعم يا سيّدنا، لقد فكّرنا بذلك بعمقٍ وجدّيّة.

هذه هي بداية مسيرة عهدٍ "نعم- هاءَنذا" الّتي نحتفل بها والّتي ينبغي أن تكون حاضرة دومًا لدى الرّاهب والرّاهبة لكي يحيا منطق تكريسه بقناعة راسخة!

غنى الحياة الجماعيّة

حياة الجماعة، وحدة وتنوّع (أخوة متنوّعون) من أجل الحياة والشّهادة. الحياة الجماعيّة مصدر قوّة وتعزية وتشجيع لتغيير حياة الرّاهب وبنائها بجذريّة ونعمة كبيرة كسبيل للارتقاء نحو الله. على أنّ الجماعة تبقى بمثابة عائلة واحدة اسمها الرّهبانيّة الفلانيّة. هم فيها إخوة أو أخوات متلاصقين ومحبّين. إنّها واحة الرّبّ المخضرّة والمُزهرة، وليست حصنًا ينحبس فيه الرّاهب بتحسّر ومرارة ويسعى لإيجاد بدائل. في الجماعة يحقّق الرّاهب ما لم ينجح في تحقيقه لوحده. إنّ الجماعة ترافقه في بلورة فكره وسلوكه بمحبّة ورجاء.

أجد أفضل وصف للحياة المشتركة هو ما جاء في رسالة بولس إلى أهل فيليبّي: "فأتِمُّوا فرحي بأن يكونَ لكم رأيٌ واحدٌ، ومحبَّةٌ واحدةٌ، ونفسٌ واحدةٌ، وفكرٌ واحدٌ، ولا تعمَلوا شيئًا بالشِّقاقِ أو المجدِ الباطلِ، بل فليَعُدَّ بتواضُعِ الضّميرِ كلٌّ منكم قريبَهُ أفضلَ منهُ. ولا يعتَنِ أحدٌ بما هو لنفسِه بل بما هو لقريبهِ أيضًا" (فيلبّي 2/ 2-4).

سابقًا، لا يُدعى الرّهبان والرّاهبات بأسمائهم، إنّما كانوا يَدعون بعضهم بعضًا بانتباه ومحبّة "أخونا- خاثا- أختي"."

وأنهى البطريرك ساكو بمجموعة أسئلة وجّهها إلى الرّهبان والرّاهبات، وفيها سألهم:

• "هل تستذكر لحظة الدّعوة (اللّقاء) الّتي حفّزتك للتّجاوب معها، وهل تستعيدها وتستثمرها؟

• ما هي خطوط القوّة بالنّسبة إليك للمضي قدمًا في عيش تكريسك؟

• هل تفسح المجال لروح الله، الرّوح القدس لكي يغيّرك، أم أنّك غير مبالٍ بإلهاماته؟

• هل أنت فرحان وتعيش بسلام وارتياح تكريسك؟ كيف تختبر ذلك وتعبّر عنه؟

• ما هي المعوّقات الدّاخليّة (داخل قلبك) والخارجيّة الّتي تحول دون تقدمك في الحياة المكرّسة؟

• ما هي المخاطر الّتي تشعر أنّها تحاول انتزاع ارتباطك وكنزك وفرحك منك؟

• ما تاثير الصّلاة فيك؟ هل هي ديباجات رتيبة تتلوها من باب الفريضة، أم أنّها صلاة فعليّة تصقلك وتغذّيك؟

• ما أهمّيّة الرّياضة الرّوحيّة في إنارة دربك في ترسيخ دعوتك، والمصالحة مع نفسك ومع الآخرين؟

• ما تطلّعاتك لتجديد الحياة الرّهبانيّة وتأوينها وإنعاشها للفرد والجماعة؟".