لبنان
08 آذار 2021, 15:00

خيرالله عن خبرته مع كورونا: إنّها خبرة رائعة عشت فيها الألم والعزاء

تيلي لوميار/ نورسات
توجّه راعي أبرشيّة البترون المارونيّة المطران منير خيرالله بكلمة إلى الكهنة والشّمامسة والرّهبان خلال اجتماع الكهنة يوم السّبت، تحدّث فيها عن خبرته "الاستثنائيّة" جرّاء إصابته بكورونا، قال فيها:

"إخوتي الكهنة والشّمامسة والرّهبان الأحبّاء،

كم أودّ أن أشكر الله معكم على علامات مشيئته في حياتنا وعلى النّعم الّتي يغدقها علينا مجّانًا بفضل محبّته اللّامتناهية.  

أشكر الله عن كلّ واحد منكم على عمق وصدق مشاعركم نحوي وتجاوبكم معي وعلى الصّلوات الّتي طلبتموها وقدّمتموها في رعاياكم من أجل شفائي العاجل.  

وأشكر الله عن أبي صاحب الغبطة والنّيافة البطريرك مار بشاره بطرس الرّاعي الّذي فاجأني وشرّفني بالمجيء إلى المستشفى، بعد ظهر الجمعة 26 شباط ذكرى قدّاسي الأوّل لخدمتي الأسقفيّة في البترون، للاطمئنان إلى صحّتي، وكان يرافقه المطرانان سمير مظلوم وبولس الصّيّاح والرّئيس العام الأباتي نعمة الله الهاشهم. ونصلّي معًا إلى الله كي يمنحه الصّحّة ويبارك جهوده في سبيل خلاص لبنان على خطى أسلافه العظام.

أعتبرها علامة ونعمة من الله أن أصاب بوباء الكورونا، وأن أدخل المستشفى في 25 شباط ذكرى رسامتي الأسقفيّة، وأن أخرج منه بعد خمسة أيّام في أوّل آذار، ليلة عيد مار يوحنّا مارون، مؤسّس كنيستنا البطريركيّة، البطريرك الأوّل وشفيع أبرشيّتنا. وأن أعيش خبرة استثنائيّة جرّاء إصابتي بوباء الكورونا الّتي ألزمتني دخول المستشفى لمعالجة سعال وحساسيّة مزمنة في الرّئتين.  

إنّها أوّلاً خبرة رائعة عشت فيها الألم والعزاء. إنّي تحمّلت بعض ما يتحمّل شعبي، وبخاصّة مرضى كورونا وغيرهم من المتألّمين، وأيضًا الجائعين إلى رغيف الخبز، والمظلومين، والمنبوذين، وفاقدي حقوقهم.  

وثانيًا إنّها خبرة روحيّة وكنسيّة جعلتني أكون أكثر قربًا من كلّ شخص منكم وأعاني ما تعانون وأترجّى ما تترجّون.  

الصّحّة هي الأغلى، والصّحّة هي الحياة، وحدها توازي كلّ ما في الحياة، وليس أغلى من الحياة.

وماذا نريد بعد؟ ولماذا نتقاتل ونتناحر؟ وعلى ماذا، إذا كنّا نعرف أنّه يمكن أن نموت في كلّ لحظة؟  

ما يبقى لنا من حياتنا في هذه الدّنيا هو محبّتنا، وأعمال الرّحمة والمحبّة الّتي نقوم بها مع الأقربين والأبعدين وحتّى الأعداء. فيقول لنا "الملك في مجده ونحن عن يمينه: تعالوا يا من باركهم أبي، رثوا الملكوت المعدّ لكم منذ إنشاء العالم" (متّى 25/34).

هذه هي رسالتنا الكهنوتيّة والمسيحيّة والإنسانيّة: أن يكون كلّ واحد منّا السّامريّ الصّالح في حياته اليوميّة.

في أبرشيّتنا، أبرشيّة مار يوحنّا مارون، أبرشيّة الجذور الرّوحانيّة والكنسيّة والتّاريخيّة، أبرشيّة القداسة والقدّيسين، نحن مدعوّون إلى القداسة في أبسط تفاصيل حياتنا اليوميّة لنُظهر محبّتنا ونتقدّس بأعمالنا.  

اختبرت في المستشفى عظمة محبّة العاملين في القطاع الصّحّيّ، من أطبّاء وجسم تمريضيّ ومعاونين ومسعفين، وتضحياتهم الكبيرة. إنّهم قدّيسون عاديّون كتب الله أسماءهم في ملكوته، كما يقول قداسة البابا فرنسيس. واختبرت كم كانت الدّولة غائبةً ومقصّرة في العناية بالقطاع الصّحّيّ ورعايته.  

في 8 كانون الأوّل 2020، عيد مريم الحبل بها بلا دنس، أعلن قداسة البابا فرنسيس سنة خاصّة مكرّسة للقدّيس يوسف تمتدّ حتّى 8 كانون الأوّل 2021، لمناسبة الذّكرى المائة والخمسين على إعلان البابا بيوس التّاسع القدّيس يوسف شفيعًا للكنيسة الكاثوليكيّة.  

يصف البابا فرنسيس القدّيس يوسف بأنّه: "أبٌ حبيب، أبٌ في الحنان والطّاعة والقبول، أبٌ يتحلّى بشجاعة خلّاقة، عامل مجتهد، ودومًا في الظّلّ". (راجع الرّسالة الرّسوليّة "بقلب أبويّ").

عبّر القدّيس يوسف عن أبوّته إذ جعل من حياته تقدمة للذّات في المحبّة الموضوعة في خدمة يسوع. وعاش طاعته لله إذ كان الشّخص الّذي يثق بالرّبّ ويقبل في حياته بالأحداث الّتي لا يفهمها إلّا بروح الشّجاعة والقوّة الّتي تنبع من قوّة الرّوح القدس.

إذا كان البابا فرنسيس أعلن سنة مكرّسة للقدّيس يوسف، فذلك لأنّه يريد أن يجعل لنا من القدّيس يوسف مثالاً وقدوةً، وأن يقول لنا اليوم إنّ كلّ واحد منّا، من حيث هو وحيث يعيش ويشهد، يستطيع أن يكون قدّيسًا.  

كلّ أب حبيب، يستطيع أن يكون قدّيسًا مثل مار يوسف.  

كلّ أب في الحنان والطّاعة والقبول لمشيئة الله، يستطيع أن يكون قدّيسًا.  

كلّ أب يتحلّى بشجاعة خلّاقة، يستطيع أن يكون قدّيسًا.  

كلّ نجّارٍ أو عامل أو موظّف مجتهدٍ ومثابرٍ في الظّلّ، يستطيع أن يكون قدّيسًا.  

كلّ شخص يعيش الصّبر، ويبعث الفرح والرّجاء، ويزرع المسؤوليّة المشتركة، يستطيع أن يكون قدّيسًا.  

كلّ شخص يجعل من حياته تقدمة للذّات في المحبّة الموضوعة في خدمة يسوع، أيّ في خدمة إخوته هؤلاء الصّغار، يستطيع أن يكون قدّيسًا.  

كلّ كاهن منّا يعيش الأبوّة ويكرّس حياته لخدمة المحبّة، يستطيع أن يكون قدّيسًا.  

وباء كورونا جعلنا نفهم اليوم أهمّيّة الأشخاص العاديّين الّذين، بعيدًا من الأضواء، يتقدّسون اليوم. ونحن منهم في أبرشيّة البترون مع أبناء رعايانا وعائلاتنا وشبيبتنا الّذين يضحّون في خدمة المحبّة وخدمة الكنيسة، على مثال شربل ورفقا والحرديني والبطريرك الحويّك والكثيرين غيرهم غير المعلنين.

ولأنّ أحد مزاراتنا في الأبرشيّة، مزار القدّيسة رفقا في دير مار يوسف جربتا، مكرّسٌ للقدّيس يوسف أب العائلة المقدّسة الّذي طبع حياة رفقا بأبوّته وحنان الله، نرجو تنظيم احتفالات دينيّة مصلّية في خلال هذه السّنة اليوسفيّة.  

باركنا يا ربّ بشفاعة القدّيس يوسف والعذراء مريم، وأعطِنا كهنة ورهبانًا وراهباتٍ قدّيسين."