الفاتيكان
26 تشرين الأول 2023, 06:30

رسالة إلى شعب الله، إليكم نصّها كاملاً!

تيلي لوميار/ نورسات
وجّهت الجمعيّة العامّة العاديّة السّادسة عشر لسينودس الأساقفة رسالة إلى شعب الله، جاء في نصّها بحسب "فاتيكان نيوز":

"أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء،

مع اقتراب أعمال الدّورة الأولى للجمعيّة العامّة العاديّة السّادسة عشرة لسينودس الأساقفة من نهايتها، نريد معكم جميعًا أن نرفع الشّكر لله على الخبرة الجميلة والغنيّة الّتي عشناها. لقد عشنا زمن النّعمة هذا في شركة عميقة معكم جميعًا، وقد عضدتنا صلواتكم وحملنا معنا انتظاراتكم وأسئلتكم ومخاوفكم. لقد مرّت سنتان منذ أن، وبناءً على طلب البابا فرنسيس، بدأت عمليّة طويلة من الإصغاء والتّمييز، مفتوحة لشعب الله بأسره، بدون استثناء، لكي "نسير معًا"، بإرشاد الرّوح القدس، تلاميذ مرسلون. في اتّباع المسيح يسوع.

تشكّل الدّورة الّتي جمعتنا في روما منذ ٣٠ أيلول سبتمبر مرحلة هامّة في هذه العمليّة. في نواحٍ عديدة، كانت خبرة غير مسبوقة. ولأوّل مرّة، وبدعوة من البابا فرنسيس، دُعي رجال ونساء، بحكم معموديّتهم، إلى الجلوس على الطّاولة عينها للمشاركة ليس فقط في المناقشات، وإنّما أيضًا في التّصويتات في هذه الجمعيّة لسينودس الأساقفة. معًا، في تكامل دعواتنا ومواهبنا وخدماتنا، أصغينا إلى كلمة الله وخبرة الآخرين. باستخدام أسلوب المحادثة في الرّوح القدس، شاركنا بكلّ تواضع غنى وفقر جماعاتنا في جميع القارّات، وحاولنا أن نميِّز ما يريد الرّوح القدس أن يقوله للكنيسة اليوم. لقد اختبرنا أيضًا أهمّيّة تعزيز التّبادلات المتبادلة بين التّقليد اللّاتينيّ وتقاليد الشّرق المسيحيّ. كذلك أدّت مشاركة المندوبين الأخوة من الكنائس والجماعات الكنسيّة الأخرى إلى إثراء مناقشاتنا بشكل عميق.

لقد عُقِدَت جمعيّتنا في سياق عالم يعيش في أزمة، وتردَّد صدى جراحه وانقساماته بشكل مؤلم في قلوبنا وأضفى على أعمالنا ثِقلاً خاصًّا، لاسيّما وأنّ البعض منّا يأتون من بلدان تستعرُّ فيها الحرب. لقد صلّينا من أجل جميع ضحايا العنف القاتل، بدون أن ننسى جميع الّذين يُلقي بهم الفقر والفساد على دروب الهجرة الخطيرة. كما أكّدنا تضامننا والتزامنا إلى جانب النّساء والرّجال الذين يبذلون قصارى جهدهم في جميع أنحاء العالم كصانعي عدالة وسلام.

بدعوة من الأب الأقدس، أفسحنا المجال للصّمت من أجل تعزيز الإصغاء المحترم فيما بيننا والرّغبة في الشّركة في الرّوح القدس. وخلال عشيّة الصّلاة المسكونيّة لافتتاح الأعمال، اختبرنا مدى تزايد العطش إلى الوحدة في التّأمّل الصّامت بالمسيح المصلوب. إنَّ الصّليب هو المنبر الوحيد للّذي، وإذ بذل حياته من أجل خلاص العالم، أوكل تلاميذه إلى الآب، "ليكونوا بأجمعهم واحدًا" (يوحنّا ١٧، ٢١). وإذ اتّحدنا بقوّة في الرّجاء الّذي تمنحنا إيّاه قيامته، أوكلنا إليه بيتنا المشترك، حيث يتردّد صدى صخب الأرض وضجيج الفقراء بشكل متزايد: "سبِّحوا الله"، كما ذكّر البابا فرنسيس في بداية أعمالنا.

يومًا بعد يوم، سمعنا الدّعوة الملحّة للتّوبة الرّعويّة والإرساليّة. لأنّ دعوة الكنيسة هي أن تُعلن الإنجيل ليس من خلال التّركيز على نفسها وإنّما من خلال وضع ذاتها في خدمة الحبّ اللّامتناهي الّذي به أحبّ الله العالم (يوحنّا ٣، ١٦). وعندما سُئلوا عن انتظاراتهم من الكنيسة بمناسبة هذا السّينودس، أجاب المشرَّدون المتواجدين بالقرب من ساحة القدّيس بطرس: "الحبّ!". على هذا الحبّ أن يبقى على الدّوام قلب الكنيسة المُتَّقد، حبّ ثالوثيّ وإفخارستيّ، كما ذكّر البابا فرنسيس، في ١٥ تشرين الأوّل/ أكتوبر، في منتصف أعمالنا، برسالة القدّيسة تريزيا الطّفل يسوع. "إنّها الثّقة" الّتي تُعطينا الجرأة والحرّيّة الدّاخليّة الّتي اختبرناها بدون أن نتردّد في التّعبير عن تقاربنا واختلافنا، ورغباتنا وتساؤلاتنا، بحرّيّة وتواضع.

والآن؟ نتمنّى أن تسمح الأشهر الّتي تفصلنا عن الدّورة الثّانية، في أكتوبر ٢٠٢٤، للجميع بأن يشاركوا بشكل ملموس في ديناميكيّة الشّركة الإرساليّة الّتي تشير إليها كلمة "السّينودس". لا يتعلّق الأمر بأيديولوجيّة معيّنة، وإنّما بخبرة تجد جذورها في التّقليد الرّسوليّ. وكما ذكّرنا قداسة البابا في بداية هذه العمليّة، فإنّ "الشّركة والرّسالة قد يبقيان مصطلحَين مُجرَّدين إلى حدّ ما، ما لم تتمّ تنمية ممارسة كنسيّة تُعبِّر عن واقعيّة السّينودسيّة (...)، وتعزِّز المشاركة الحقيقيّة للجميع ولكلّ فرد" (٩ تشرين الأوّل، أكتوبر ٢٠٢١). إنّ التّحدّيات كثيرة، والأسئلة عديدة: وتقرير الخلاصة للجلسة الأولى سيوضِّح نقاط الاتّفاق الّتي توصّلنا إليها، وسيسلِّط الضّوء على الأسئلة المفتوحة، ويبيِّن الطّريقة الّتي ينبغي أن نواصل بها العمل.

ولكي تتقدّم في تمييزها، تحتاج الكنيسة بالتّأكيد إلى الإصغاء للجميع، بدءًا من الفقراء. وهذا الأمر يتطلّب منها مسيرة توبة، هي أيضًا مسيرة تسبيح: "أحمدك يا أبت، ربّ السّماء والأرض، على أنّك أخفيت هذه الأشياء على الحكماء والأذكياء، وكشفتها للصّغار" (لوقا ١٠، ٢١)! يتعلّق الأمر بالإصغاء إلى الّذين ليس لديهم الحقّ في التّكلُّم في المجتمع أو الّذين يشعرون بأنّهم مستبعدون، حتّى من الكنيسة. وبالإصغاء إلى الأشخاص ضحايا العنصريّة بجميع أشكالها، ولاسيّما في بعض المناطق، وإلى السّكّان الأصليّين الّذين تمّ الاستهزاء بثقافاتهم. وبشكل خاصّ، يقع على عاتق كنيسة عصرنا واجب الإصغاء، بروح التّوبة، إلى الّذين وقعوا ضحايا الانتهاكات الّتي ارتكبها أعضاء الجسم الكنسيّ، والالتزام بشكل ملموس وهيكليّ بضمان عدم تكرار ذلك مرّة أخرى.

تحتاج الكنيسة أيضًا لأن تُصغي إلى العلمانيّين، النّساء والرّجال المدعوّين جميعًا إلى القداسة بفضل دعوة معموديّتهم: إلى شهادة أساتذة التّعليم المسيحيّ، الّذين هم في كثير من الحالات المبشّرون الأوائل بالإنجيل؛ إلى بساطة الأطفال وحيويّتهم، وحماس الشّباب، وأسئلتهم وطلباتهم؛ إلى أحلام المسنّين وحكمتهم وذكراهم. إنَّ الكنيسة تحتاج لأن تُصغي إلى العائلات واهتماماتها التّربويّة والشّهادة المسيحيّة الّتي تقدّمها في عالم اليوم. هي تحتاج لأن تقبل أصوات الّذين يرغبون في أن يلتزموا في خدمات علمانيّة أو في هيئات المشاركة للتّمييز واتّخاذ القرارات.

ولكي تتقدّم في تمييزها السّينودسيّ تحتاج الكنيسة بشكل خاصّ لأن تجمع أكثر كلمات وخبرة الكهنة، المعاونون الأوائل للأساقفة والّذين تشكّل خدمتهم الأسراريّة أمرًا جوهريًّا لحياة الجسد كلّه؛ والشّمامسة الّذين من خلال خدمتهم يمثِّلون اهتمام الكنيسة لخدمة الأشخاص الأكثر هشاشة. عليها أيضًا أن تسمح بأن يسائلها الصّوت النّبويّ للحياة المكرّسة، والحارس اليقظ لدعوات الرّوح. وعليها أن تكون متنبِّهة إلى جميع الّذين لا يشاركونها الإيمان ولكنّهم يبحثون عن الحقيقة، وفيهم يعطي الرّوح القدس الحاضر والفاعل "الجميع إمكانيّة أن يشاركوا، في الأسلوب الّذي يعرفه الله، في السّرّ الفصحيّ".

"إنّ العالم الّذي نعيش فيه، والّذي نحن مدعوّون إلى أن نحبّه ونخدمه حتّى في تناقضاته، يتطلّب من الكنيسة أن تُعزّز التّآزر في جميع مجالات رسالتها. إنّ المسيرة السّينودسيّة بالتّحديد هي المسيرة الّتي ينتظرها الله من كنيسة الألفيّة الثّالثة" (البابا فرنسيس، ١٧ أكتوبر/تشرين الأوّل ٢٠١٥). لا نخافنَّ إذن من أن نجيب على هذه الدّعوة. لترافق العذراء مريم، الأولى في المسيرة، مسيرة حجِّنا. هي الّتي في الأفراح والضّيقات تُظهر لنا ابنها وتدعونا إلى الثّقة. إنّه هو، يسوع، رجاؤنا الوحيد!".