العراق
08 شباط 2021, 11:20

رسالة راعويّة للبطريرك ساكو لمناسبة الصّوم الكبير

تيلي لوميار/ نورسات
أصدر بطريرك بابل للكلدان مار لويس روفائيل ساكو رسالة راعويّة لمناسبة حلول الصّوم الكبير، تحت عنوان "نحن كنيسة السّرّ الفصحيّ (الموت والقيامة) تاريخ شهداء ورُهبان"، فكتب نقلاً عن موقع البطريركيّة الرّسميّ:

"الأحد القادم 14 شباط 2021 (عمليًّا الإثنين 15 منه) يبدأ زمن الصّوم الكبير في كنيستنا الكلدانيّة. والصوم، هو فرصةٌ لإيجاد فسحة" جوّاتنا" لنتحرّك فيها بحرّيّة بالرّغم من انشغالاتنا وظروف جائحة كورونا، لتجديد روحيّ واجتماعيّ، أيّ لنتصالح مع ذاتنا ومجتمعنا ونستعيد دورنا من خلال تكريس مزيدٍ من الوقت للصّيام والصّلاة والتّأمّل في كلمة الله، والاحسان إلى الأخ الفقير.  

في مسيرتنا المسيحيّة في الصّوم وخارج الصّوم، الأولويّة هي أن نضع الله في حياتنا، وأن نركّز جدًّا على سرّ "موت المسيح وقيامته"، الّذي هو أساسيٌّ في إيماننا، ويمارس أهمّيّة كبيرة على حياتنا.

في هذه الظّروف الصّعبة ينقلنا إيماننا بسرّ الفصح إلى أبعد من المنظور، كما يقول الرّسول بولس: "فإِنَّنا لا نَهدِفُ إِلى ما يُرى، بل إِلى ما لا يُرى ..فهو لِلأَبَد " (2قورنثية 4/18). ينقلنا السّرُّ الفصحيُّ من ظُلمة المعاناة والهشاشة والموت إلى نور القيامة والحياة، ويملأ قلبَنا تعزيةً وفرحًا وقوّةً لنتقدّم إلى الأمام. نورٌ نقبله بشغفٍ، ونتبعه بإيمان، ونحمله إلى الآخرين بمحبّة وحماسة كما ذكر البابا فرنسيس في رسالة التّهنئة للكنائس الشّرقيّة بعيد الميلاد 6 كانون الثّاني 2021 بحسب التّقويم اليوليانيّ.

أحبّائي،  

المسيح اختبر الألم والتّعب والموت، لكنّه قام في النّهاية. ويريدنا أن نكون قادرين على استقبال هذا الرّجاء عبر مشاركتنا في أعماق هذا السّرّ الفصحيّ ضمن سياق ظروفنا، لكي نتمكّن من أن نقوم معه للحياة الأبديّة.

كنيستنا الكلدانيّة "كنيسة المشرق" لا بهاء خارجيّ لها، إذ لم تكن يومًا ما على سدّة الحكم، أيّ دين الدّولة. جمالها في إرثها الرّوحيّ واللّيتورجيّ ووفائها لإيمانها حتّى الاستشهاد .تاريخها شهداء ورهبان.  

كنيستنا اليوم منتشرة في العالم: في العراق أرضنا التّاريخيّة ونحن فيه أهله ولسنا جالية، وإيران وتركيا وسوريا ولبنان ومصر والولايات المتّحدة الأميركيّة وكندا وأستراليا ونيوزيلاندا وفي بلدان الاتّحاد الأوروبيّ. وصرنا نواجه ثقافات ولغات جديدة مع تحدّي الحفاظ على ارتباطنا بكنيستنا الأمّ في أرضنا، وعلى وحدتها وعلى ضرورة الانفتاح والتّنوّع، انطلاقًا من علاقتنا بالمسيح الرّأس ومع الكنيسة الجامعة.  

كلّ كلدانيّ أينما كان ينبغي أن يشعر بأنّ الكنيسة الكلدانيّة هي هويّته وبيته، وله فيها مهام خاصّة، مستلهمًا بعناية إرث آبائنا الرّوحيّ الثّريّ. لذا ضروريٌّ أن نسند بعضنا البعض، كلٌّ من موقعه، وأن نعمل بروحيّة الفريق الواحد، ممّا يجعلنا نتغلّب على الصّعوبات، ونختبر بشكل وثيق فرح الوجود في حضن الكنيسة، جسد المسيح السّرّيّ والمشاركة فيها.

نحن الأساقفة والكهنة يتعيّن علينا أن نرعى شعب الله الموكل إلينا، بأمانة كاملة وتجرّد تامّ، ونتحمّل مسؤوليّتنا في تعزيز الإيمان والحفاظ على أصالته، أيّ بالعودة إلى الجذور الممتازة، بعيدًا عن الموروث الخاطيء والأفكار الجاهزة، وإيقاظ الرّجاء في قلب الإنسان المُجْهَد، من خلال عصرنة نشاط الكنيسة كاللّيتورجيّة والوعظ والتّعليم المسيحيّ والعدالة الاجتماعيّة، والاستجابة للأسئلة الّتي يطرحها النّاس وتلبية حاجاتهم قدر الإمكان. يقينًا إنّ الكنيسة ليست دولة.

إيماننا بالقيامة يملأنا بالبهجة والاندهاش ويمنحنا القوّة لتنقية قلبنا، والخروج من انغلاقنا على أنفسنا، ومن قلقنا ومخاوفنا، فنعيش ظروفنا الحياتيّة المؤلمة برجاء وسلام وهدوء. نور القيامة يشجّعنا على حمل رسالتنا، كما فعل آباؤنا على مدى التّاريخ. لنتذكّر كم مرّة قال المسيح: لا تخافوا، فهو لا يتركنا وحدنا أبدًا، فنور سرِّ فصحِه يهزم الظّلام ويوسّع آفاقنا من خلال أشخاص جدد نلتقيهم وأشياء غير متوقّعة تحصل لنا، لكن هذا يتطلّب نُضجًا إنسانيًّا وروحيًّا!

بخصوص بلدنا العراق، لندرك أنّنا شركاء في بناء مستقبله فقد تحمّل العراقيّون صعوبات وآلامًا موجعة بسبب الأزمة السّياسيّة والأمنيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والصّحّيّة الشّديدة الّتي خلّفها وباء كورونا. إنّ السّرّ الفصحيّ حركة نحو الله ونحو النّاس ومن هذا المنطلق للمسيحيّين دور مهمّ لتعزيز الأخوّة والانخراط مع مواطنيهم في مجال بناء دولة ديمقراطيّة مدنيّة حديثة، تضمن سيادة القانون، وتطبّق العدالة والمساواة على كلّ مواطن، بغضّ النّظر عن انتمائه الدّينيّ والقوميّ، دولة تحترم التّنوّع وتصون وحدتها، وتنأى بنفسها عن أيّ أجندات وسياسات لا تتناسب مع مصلحتها.

أسال الرّبّ لكي يملأ كلّ القلوب والعقول من نوره، وأن يحمي كنيستنا وبلدنا لينعما بالسّلام والأمان والازدهار وأن يُزيلَ عن العالم جائحة كورونا ويشفي كلّ المصابين بها.

كما لنصلِّ من أجل أن تغدو زيارة البابا فرنسيس علامة ملموسة لتعزيز القواسم المشتركة بين العراقيّين ودافعًا للتّضامن الأخويّ من أجل تحقيق المصالحة الوطنيّة والسّلام والاستقرار وحماية حياة المواطنين وحقوقهم وكرامتهم.

مع محبّتي لكم جميعًا."