العراق
10 آب 2021, 11:50

ساكو يضيء على هاجس الأقلّيّات: كيف البقاء والصّمود والتّواصل؟

تيلي لوميار/ نورسات
بعد مرور 7 سنوات على نكبة الإيزيديّين، شارك بطريرك بابل للكلدان مار لويس روفائيل ساكو في المؤتمر الافتراضيّ الّذي نظّمته مؤسّسة يزدا من 2 إلى 3 آب/ أغسطس الجاري، ألقى خلاله كلمة قال فيها بحسب إعلام البطريركيّة:

"بتقييم عالٍ انظر إلى دعوتي لأتكلّم أمام هذا المحفل المبارك، وفي قضيّة مركزيّة تتّصل بالمكوّنات الوطنيّة للأقلّيّات، وما نودّ أن نتعمّق فيها، كقضيّة البقاء والصّمود.

في نظرة إلى العقدين الأخيرين، لا بدّ من الملاحظة كم عانت الأقلّيّات في العراق من الضّغوطات التّعسّفيّة والاضطهادات والاستحواذ على ممتلكاتهم والتّهجير والتّهديد والقتل وسبي النّساء، يكفي أن نذكر ما حصل لمكوّنات وطنيّة أصيلة مثل الإيزيديّين والمسيحيّين.  

كان عدد المسيحيّين في العراق قبل سقوط النّظام مليونا ونصف المليون، واليوم عددهم أقلّ من خمسمائة ألف نسمة. أمام هذا الواقع المؤلم، أوكّد أنّ القضيّة المركزيّة للأقلّيّات هي كيف البقاء والتّواصل أمام التّحدّيات الّتي تهدّد وجودها. وبصراحة، إن لم تبادر الدّولة إلى عمل شيء ملموس لحماية الأقلّيّات فمصيرها الهجرة. وهذه تكون علامة استفهام، أمام المحفل الدّوليّ!

دور الدّولة أساسيّ

الدّولة هي الأساس عندما تكون دولة قويّة دولة المواطنين جميعًا. مسؤوليّتها هي الحفاظ على الفسيفساء العراقيّ الرّائع من دون النّظر إلى العدد، ولا إلى الدّين الّذي هو مسألة شخصيّة خاصّة بين الإنسان والله. هذه المكوّنات الصّغيرة الأصيلة والمشرقة بقيمها وإخلاصها تشكّل مع بعضها ألوان الطّيف العراقيّ الجميل. على الحكومة أن تتحمّل مسؤوليّاتها تجاه كافّة المواطنين وتحتضنهم كأشخاص متساوين، وتستعيد حقوقهم وتحميهم، وتؤمّن كرامتهم من خلال بناء دولة مدنيّة وديمقراطيّة، وإيجاد آليّات لإدارة التّعدّديّة لكي يغدو هذا التّنوّع ثراء وإضافة لإدامة العيش المشترك المتناغم، والثّقافة العراقيّة، ذلك من خلال إقرار القوانين والعمل الجادّ على تنفيذها، على أرض الواقع وليس على الورق، وصدّ كلّ محاولات الإقصاء والتّهميش والتّهجير.

أجل أيّها الإخوة والأخوات، يمكننا أن نلمس بأنّنا أمام تراجع الأخلاق ببعدها الرّوحيّ والاجتماعيّ وأعتقد أنّها السّبب في تدهور المنظومة بكاملها. لو الأخلاق الحميدة باقية فما كان هناك فساد ولا تفجيرات ولا قتل للأبرياء ولا خطف. العراقيّون بحاجة ماسّة إلى استعادة القيم الأخلاقيّة وثقافة مجتمعيّة سليمة، وإلّا سنشهد المزيد من الأزمات.

كيف تقدر الأقلّيّات أن تحمي نفسها؟

بكلّ ألم أقول: إنّ المكوِّنات قليلة العدد، تسمّى ظلمًا "بالأقلّيّات" كونها تسمية عدديّة نسبيّة، وليست نوعيّة، فالمكوَّن لا يقاس بالعدد، إذ نجد فيه طاقات وقابليّات كبيرة.

أمام قسوة التّطرّف الدّينيّ والطّائفيّ الّذي يهمّشها، والإرهاب الّذي يلغيها، والقوانين والتّشريعات الّتي تظلمها… أصبحت الأقلّيّات للأسف حلقة ضعيفة ومستغلّة، حتّى أنّ بعض الجهات الإعلاميّة، وخلافًا للمناقبيّة الإعلاميّة، تنقّص عدد المسيحيّين والإيزيديّين والصّابئة والأقلّيّات الأخرى للضّغط على نفسيّتِها بهدف دفعها إلى الهجرة، و إفراغ البلاد منها.

لذا يتحتّم على الأقلّيّات أن تخرج من نظرتها النّمطيّة التّقليديّة المبسَّطة، لتحيي الرّوح المعنويّة ببُعدها الإيمانيّ والاجتماعيّ في بناتها وأبنائها، كونهم جزء لا يتجزّأ من المجتمع العراقيّ الأصيل. عليها أن تبني وحدتها الدّاخليّة، ففي الوحدة القوّة، وأن تبلور رؤية واستراتيجيّة للمرحلة القادمة، بتحديد الأهداف وإيجاد الآليّات للوصول إليها. وإن وُجد من يحاول تهميش هذه الأقلّيّات، فليكن ردّ فعلها، المزيد من العمل والحضور.

وبعد، على هذه المكوّنات أن تتضامن وتتكاتف وتعمل بكلّ جرأة مع شركائها في الوطن في المجال الثّقافيّ كالمدارس، والصّحّيّ كالمستشفيات والخدم الإنسانيّ من خلال الجمعيّات الخيريّة. كما لا بدّ من تفعيل الحوار بين الدّيانات لتتعرّف على بعضها البعض من المصدر وتعترف بها وتحترمها.

لا يقدر المواطنون المسلمون بغالبيّتهم العدديّة، أن يستغنوا عن الأقلّيّات. الحمد لله هناك تغيير يحصل في العقليّة، خصوصًا بعد زيارة قداسة البابا فرنسيس للعراق وخطاباته عن الأخوَّة والتّنوّع، وأيضًا قول المرجع الشّيعيّ الأعلى سماحة السّيّد علي السّيستانيّ "أنتم جزء منّا ونحن جزء منكم"، لكن على الحكومة دعم هذا التّغيير مادّيًّا ومعنويًّا عبر مؤسّساتها التّربويّة والثّقافيّة والإعلاميّة وبنحو ملموس."