الفاتيكان
25 أيار 2023, 13:20

على ضوء سيرة أوّل كاهن كوريّ البابا فرنسيس يواصل تعليمه حول الغيرة الرّسوليّة

تيلي لوميار/ نورسات
في مواصلة لتعليمه الأسبوعيّ حول الغيرة الرّسوليّة، اختار البابا فرنسيس في المقابلة العامّة اليوم الإضاءة على أوّل كاهن كوريّ القدّيس أندراوس كيم تاي غون، وقال:

"إنّنا نتوجّه اليوم إلى أرض بعيدة جدًّا للتّعرّف على مثال للشّغف بالكرازة، أيّ إلى الكنيسة في كوريا، وذلك في إشارة إلى الشّهيد وأوّل كاهن كوريّ القدّيس أندراوس كيم تاي غون. إنّ  المبشّرين الأوائل بالإنجيل في كوريا كانوا من العلمانيّين، في هذا السّياق الجميع مدعوّ إلى سؤال الذّات إن كان بإمكانهم أن يفعلوا الشّيء ذاته."

وتابع البابا متعمّقًا في سيرة هذا القدّيس قائلاً بحسب "فاتيكان نيوز": "إنّ حياته كانت وتظلّ شهادة بيِّنة لغيرة إعلان الإنجيل. إنّ الأرض الكوريّة قد شهدت قبل حوالي ألفي سنة اضطهادًا شرسًا ضدّ المسيحيّين، وكان الإيمان بيسوع المسيح في تلك الفترة يعني الاستعداد للشّهادة حتّى الموت. بالإمكان استنباط مثال القديس أندراوس كيم تاي غون من عاملين محدّدين في حياته. الأوّل هو الأسلوب الّذي كان عليه أن يتبعه للقاء المؤمنين، فقد كان مضطرًّا إلى الاقتراب من المسحيّين بشكل غير واضح، وذلك دائمًا في حضور أشخاص آخرين. وللتّعرّف على الهويّة المسيحيّة للآخرين كان يلجأ القدّيس إلى بعض الطّرق، فقد كانت هناك أوّلاً إشارة متّفق عليها من قبل للتّعرّف على الشّخص، ثمّ كان القدّيس أندراوس كيم يوجّه بشكل خفيّ عقب إبراز هذه الإشارة سؤالاً إلى محاوره: هل أنت تلميذ ليسوع؟ ولكن ونظرًا لوجود أشخاص آخرين كان على القدّيس أندراوس كيم أن يتكلّم بصوت منخفض وأن يتلفّظ بكلمات قليلة، أيّ تلك الأساسيّة فقط. بالتّالي إنّ التّعبير عن هويّة المسيحيّ كان بالنّسبة لهذا القدّيس كون الشّخص تلميذًا للمسيح.

إنّ كون الشّخص تلميذًا للرّبّ يعني اتِّباعه واتّباع طريقه. إنّ المسيحيّ هو بطبيعته شخص يكرز ويقدّم شهادة ليسوع. تتلقّى كلّ جماعة مسيحيّة من الرّوح القدس هذه الهويّة، وهذا ما حدث للكنيسة بكاملها منذ يوم العنصرة، ومن الرّوح يولد الشّغف بالكرازة، الغيرة الرّسوليّة هي إذن عطيّة من الرّوح القدس. حتّى في الظّروف غير السّهلة، مثلما كانت ظروف القدّيس أندراوس كيم، فإنّ هذا الشّغف لا يتغيّر بل يكتسب قيمة أكبر. إنّ القدّيس أندراوس كيم والمؤمنين الكوريّين الآخرين قد أثبتوا أنّ الشّهادة للإنجيل في زمن الاضطهاد يمكنها أن تأتي بثمار كثيرة للإيمان.

النّقطة الثّانية في مثال الغيرة الرّسوليّة لهذا القدّيس. نعود إلى الفترة الّتي كان فيها القدّيس أندراوس كيم إكليريكيًّا وكان عليه أن يتوصّل إلى طريقة يستقبل بها بشكل خفيّ الإرساليّين القادمين من الخارج. ولم تكن هذه مهمّة سهلة، وذلك لأنّ النّظام الحاكم في تلك الفترة كان يمنع بصرامة دخول الأجانب الأراضي الكوريّة... كان القدّيس أندراوس كيم يسير في إحدى المرّات للقاء مرسلين مع تساقط الثّلوج وذلك بدون أن يأكل، وقطع مسافة طويلة حتّى أنّه سقط أرضًا بسبب التّعب وكان يهدّده خطر أن يفقد وعيه وأن يتجمّد، وفجأة سمع القدّيس صوتًا يقول" قم وامشِ"، ونهض القدّيس أندراوس كيم ولمح ظلّ شخص يقوده.

إنّ خبرة هذا القدّيس، هذا الشّاهد العظيم، تجعلنا ندرك عاملاً هامًّا جدًّا في الغيرة الرّسوليّة، أيّ شجاعة النّهوض مجدّدًا عقب السّقوط. حتّى القدّيسين يمكن أن يسقطوا، فهذا ما حدث مثلاً للقدّيس بطرس فقد ارتكب خطيئة كبيرة لكنّه استلهم القوّة من رحمة الله ونهض مجدّدًا.  

القدّيس أندراوس كيم سقط سقطة جسديّة لكن كانت لديه قوّة مواصلة السّير لحمل الإنجيل."

وبالتّالي شدّد البابا على أنّه "حتّى حين تكون الأوضاع صعبة، بل وحين يبدو أنّها لا تفسح المجال أمام رسالة الإنجيل، فعلينا تفادي الاستسلام والتّنازل عن مواصلة ما هو أساسيّ في حياتنا المسيحيّة، إعلان الإنجيل. هذا هو الطّريق. بإمكاننا جميعًا الكرازة بالإنجيل في أوساطنا وعلى مستوياتنا الصّغيرة، يمكننا أن نتكلّم عن يسوع والكرازة بقلب مفعم بالفرح وبالقوّة الّتي يمنحنا إيّاها الرّوح القدس."

وفي الختام، دعا الأب الأقدس الجميع إلى الاستعداد لتلقّي الرّوح القدس مع الاحتفال القريب بالعنصرة. وأضاف: "فلنسأله نعمة الشّجاعة الرّسوليّة، الكرازة بالإنجيل وحمل رسالة المسيح إلى الأمام دائمًا".

كما أكّد البابا قربه من الصّينيّين متقاسمًا معهم الأفراح والآمل في اليوم العالميّ للصّلاة من أجل الكنيسة الكاثوليكيّة في الصّين والّذي يتزامن مع الاحتفال بعيد الطّوباويّة مريم العذراء سيّدة المعونة، مشيرًا إلى مزار العذراء في شيشان في شنغهاي. ووجّه فكره بشكل خاصّ إلى من يعانون من رعاة ومؤمنين، وذلك "كي يجدوا في شركة وتضامن الكنيسة الجامعة العزاء والتّشجيع".