الفاتيكان
29 أيار 2025, 05:55

من هم الّذين كلّفهم البابا حراسة الذّاكرة وبناء الوحدة؟

تيلي لوميار/ نورسات
في لقاء هو الأوّل من نوعه منذ انتخابه حبرًا أعظم، التقى البابا لاون الرّابع عشر، صباح السّبت في قاعة بولس السّادس بالفاتيكان، المسؤولين في الكوريا الرّومانيّة، وموظّفي الكرسيّ الرّسوليّ، وأعضاء حاكميّة دولة حاضرة الفاتيكان، إضافة إلى نيابة أبرشيّة روما.

وللمناسبة وجّه البابا كلمة إلى ضيوفه قال فيها بحسب "فاتيكان نيوز": "إنّ لقاءنا الأوّل هذا ليس مقامًا للكلام عن البرامج والخطط، بل هو، بالنّسبة إليّ، فرصة لأقول لكم: شكرًا من القلب على الخدمة الّتي تؤدّونها، تلك الخدمة الّتي، إن صحّ التّعبير، "أرثها" عن أسلافي. فكما تعلمون، لقد وصلتُ منذ عامين فقط، حين اختارني البابا الحبيب فرنسيس لأكون عميدًا لدائرة الأساقفة. يومها تركتُ أبرشيّة تشيكلايو في البيرو، وجئتُ لكي أعمل هنا… يا له من تغيير! أمّا الآن، فماذا عساي أقول؟ لا أجد أفضل من كلمات سمعان بطرس الّتي قالها ليسوع على ضفاف بحيرة طبريّة: "يا ربّ، أنتَ تعرف كلّ شيء، أنت تعلم أنّي أُحبّك".

إنَّ البابوات يأتون ويذهبون، أمّا الكوريا فتبقى. وهذا ينطبق على كلّ كنيسة محلّيّة، وعلى كوريّاتها الأسقفيّة، كما ينطبق على كوريّا أسقف روما. فالكوريا هي المؤسّسة الّتي تحفظ وتنقل الذّاكرة التّاريخيّة للكنيسة، ولخدمة أساقفتها. وهذا أمر بالغ الأهمّيّة، إذ إنّ الذّاكرة هي عنصر جوهريّ في كيان حيّ. فهي ليست مجرّد نظرة إلى الماضي، بل هي غذاء للحاضر وبوصلة للمستقبل. ومن دون الذّاكرة، نضيِّع المسيرة ويفقد المسار معناه.

أيّها الأعزّاء، هذه هي الفكرة الأولى الّتي أودّ أن أشارككم إيّاها: إنّ العمل في الكوريا الرّومانيّة يعني المساهمة في إبقاء ذاكرة الكرسيّ الرّسوليّ حيّة، بمعناها الحيويّ الّذي ذكرته للتّوّ، لكي يتمكّن البابا من أن يقوم بخدمته بأفضل وجه. وبالطّريقة عينها، يمكننا أن نقول الأمر عينه عن مختلف خدمات دولة حاضرة الفاتيكان.

وثمّة بُعد آخر أودّ التّذكير به، يُكمل بعد الذّاكرة، وهو البُعد الإرساليّ للكوريا ولكلّ مؤسّسة ترتبط بالخدمة البطرسيّة. وهذا ما شدّد عليه كثيرًا البابا فرنسيس، الّذي، بالأمانة لما أعلنه في الإرشاد الرّسوليّ فرح الإنجيل، قام بإصلاح الكوريا الرّومانيّة من منظور البشارة، وذلك من خلال الدّستور الرّسوليّ "Predicate Evangelium" حول الكوريا الرّومانيّة وخدمتها للكنيسة والعالم. وقد فعل ذلك سائرًا على خُطى أسلافه، وبشكل خاصّ القدّيس بولس السّادس والقدّيس يوحنّا بولس الثّاني.

وكما أظنّكم تعلمون، فإنّ خبرة الرّسالة هي جزء لا يتجزّأ من حياتي، لا فقط كمعمَّد، شأن كلّ واحد منّا كمسيحيّين، بل أيضًا لأنّني كراهب أوغسطينيّ كنتُ مرسَلًا في البيرو، وهناك، بين الشّعب البيروفي، نضجت دعوتي الرّاعويّة. وبالتّالي لن أستطيع أبدًا أن أفي الرّبّ شكرًا على تلك العطيّة! ثمّ جاءت الدّعوة إلى خدمة الكنيسة هنا في الكوريا الرّومانيّة، فكانت بمثابة رسالة جديدة، وقد تقاسمتها معكم خلال العامين المنصرمين. وسأواصلها، وأتابع السّير فيها، ما دام الله يريد، في هذه الخدمة الّتي أوكِلت إليّ.

لذلك، أُعيد على مسامعكم ما قلتُه في تحيّتي الأولى مساء الثّامن من أيّار مايو: "علينا أن نبحث معًا كيف نكون كنيسةً مُرسَلة، كنيسة تبني الجسور، والحوار، وتكون مفتوحة على الدّوام لكي تستقبل […] بأذرع مفتوحة، جميع الّذين هم بحاجة إلى محبّتنا، إلى حضورنا، إلى الحوار والمحبّة". هذه الكلمات وجّهتُها يومها إلى كنيسة روما؛ وها أنا أكرّرها الآن، مستحضرًا الرّسالة الّتي أوكلت إلى هذه الكنيسة تجاه سائر الكنائس والعالم بأسره: أن تخدم الشّركة والوحدة في المحبّة والحقيقة. لقد أعطى الرّبّ لبطرس وخلفائه هذه المهمّة، وأنتم جميعًا، كلٌّ على طريقته، تتعاونون في هذا العمل العظيم. إنّ كلّ واحد منكم يقدِّم اسهامه من خلال قيامه بعمله اليوميّ، بالتزام وإيمان أيضًا، لأنّ الإيمان والصّلاة هما كالملح في الطّعام، يعطيان المعنى والطّعم. وإذا كان علينا أن نتعاون جميعًا في هذه الرّسالة العظيمة للوحدة والمحبّة، فلنبدأ بتحقيقها من خلال سلوكنا اليوميّ، انطلاقًا من بيئة العمل أيضًا. يمكن للجميع أن يكونوا بناة للوحدة من خلال مواقفهم تجاه زملائهم، متجاوزين سوء التفاهم الحتميّ بالصّبر والتّواضع، واضعين أنفسهم مكان الآخرين، متجنّبين الأحكام المسبقة، وبجرعة جيّدة من الفكاهة، كما علّمنا البابا فرنسيس.

أيّها الإخوة والأخوات الأحبّاء، أشكركم مجدّدًا من أعماق قلبي! نحن في شهر أيّار المبارك، لنتضرّع معًا إلى العذراء مريم، لكي تبارك الكوريا الرّومانيّة ودولة حاضرة الفاتيكان، وتبارك أيضًا عائلاتكم، ولاسيّما الأطفال، والمسنّين، والمرضى والمتألّمين."